الإصلاح، ولإبد أن إقرار إرسال هذه البعوث نتج عن دراسة ومشورة، فقد توثقت الصلات بين الشيخ عبد القادر ونور الدين فكان نور الدين يرسل أبناء المقادسة النازحين من القدس إلى بغداد ليدرسوا في مدرسة الشيخ عبد القادر ثم يعودوا إلى مناطق الثغور قادة ودعاة ومرشدين، كما كان نور الدين يستقدم مشاهير العلماء الذين تخرجوا من المدرسة القادرية، وهاجر بعض العلماء الذين تخرجوا من المدرسة القادرية إلى دولة نور الدين زنكي وشاركوا في الجهاد العسكرية، وميادين السياسية، ومن أشهر هؤلاء زين الدين علي بن إبراهيم بن نجا الواعظ الإنصاري الدمشقي الذي أصبح فيما بعد من رجال صلاح الدين وكبار مستشاريه.
114. عاصر نور الدين محمود انتعاش مؤسسة الخلافة العباسية إبان المقتفي لأمر 530هـ - 555هـ والمستنجد بالله 555هـ - 566هـ/ والمستضيء بالله 566 - 575هـ وقد اتسم حكمهم بالحرص الشديد على استعادة التوازن السياسي مع السلاجقة في العراق وإيران على نحو خاص، ومن بعد ذلك كافة البقاع الإسلامية الأخرى، وقد ساعد على تمتع الخلافة العباسية بالنفوذ في هذه المرحلة وجود الوزير الصالح العالم الرباني عون الدين بن هبيرة وتعتبر قوة مؤسسة الخلافة وانتزاع صلاحياتها من السلاجقة في هذه الفترة من أسباب النهوض وقد ساهمت مؤسسة الخلافة في دعم نور الدين محمود وحركة المقاومة للغزو الصليبي دينياً، واقتصادياً وسياسياً .. إلخ متوازيا ذلك الدعم، مع الضخ الكبير لمعاني الإسلام والإيمان والإحسان في قطاعات جماهير الأمة في عاصمة الدولة العباسية وغيرها وكان من أبرز قيادات الحركة الشعبية الروحية الإيمانية الشيخ عبد القادر الجيلاني، لقد كانت عوامل النهوض، عديدة منها، روح جديدة في مؤسسة الخلافة والوزارة، وقيادة رشيدة في ساحات الوغى، وزعامة شعبية روحية مخلصة لدين الله ساهمت في تقوية المقاومة للصليبيين وأمدت الأمة بقدرات مادية ومعنوية للتصدي للغزاة، وتحقيق التوازن العسكري ثم التفوق عليهم وفق رؤية نهضوية متكاملة وضع خطوطها العريضة القادة السياسيون، والعسكريون والعلماء الربانيون.
115. كان نور الدين محمود منُذ توليه الحكم في الثلاثين من عمره واضح الرؤية والهدف منُذ أن تسلم الحكم حتى يوم وفاته، إذ كان عليه واجب الجهاد لتحرير الأرض من الصليبين المعتدين وعلى رأسها بيت المقدس وتوفير الأمان للناس، وأدرك أن الانتصار على الصليبيين لا يتحقق إلا بعد جهاد طويل ومرير، حافل بالتضحيات في خطوات متتابعة تقَّرب كل منهما يوم الحسم، فالخطوة الأولى كان قد بدأها والده عماد الدين حين حرّر إمارة الرها التي تشكل تداخلاً في