112. اعتمد الشيخ عبد القادر في حركته الإصلاحية التعليم المنظم والتربية الروحية المنظمة، واهتم بالإعداد الديني والثقافي والروحي، والاجتماعي، وركز على الوعظ وانتقد علماء السوء، والحكام الظلمة وانتقد في وعظه ومجالسه الأخلاق الاجتماعية السلبية، ودعا إلى إنصاف الفقراء والعامة، وتصدى للتطرف الشيعي الرافضي وللتيارات الفكرية المنحرفة، وبذل جهداً في إصلاح التصوف وأعادته إلى مفهوم الزهد وتنقيته مما طرأ عليه وقام بحركة واسعة للتنسيق بين الطرق الصوفية بهدف توحيد الجهود وتنظيم التعاون ونجح إلى حد كبير وكان أول الاجتماعات التي استهدفت توحيد القيادة عقد في رباط المدرسة القادرية الكائن في منطقة الحلة في بغداد حيث حضر الاجتماع ما يزيد على الخمسين من شيوخ العراق وخارجه وكان الاجتماع الثاني في موسم الحج حيث حضره شيوخ الطرق الصوفية من مختلف أرجاء العالم الإسلامي، حضر هذا اللقاء الشيخ عبد القادر الكيلاني من العراق، والشيخ عثمان بن مرزوق القرشي الذي شاعت شهرته وانتهت إليه المشيخة في مصر، والشيخ أبو مدين المغربي الذي يعود إليه نشر الزهد في المغرب في ذلك العصر كذلك حضر الاجتماع شيوخ من اليمن حيث أرسل معهم الشيخ عبد القادر رسولاً ينظم أمورهم. وفي نفس الوقت جرت اتصالات بين الشيخ عبد القادر والشيخ أرسلان الدمشقي الذي انتهت إليه تربية المريدين ورئاسة المشايخ في الشام ثم تلا ذلك اجتماع موسع حضره جمع كبير من الشيوخ يمثلون مدارس الاصلاح في مختلف أقطار العالم الإسلامي، واستطاع الشيخ عبد القادر الجيلاني أن ينقل التصوف السني إلى حركة منظمة في العراق وعلى مستوى العالم الإسلامي، ولقد ترتب على هذه اللقاءات المستمرة للمشايخ والعلماء آثاراً هامة ساهمت في نهضة الأمة وتوسيع جبهة المقاومة ضد الصليبيين.
113. تدل الأخبار المتعلقة بالمدارس الإصلاحية وخصوصاً مدرسة الشيخ عبد القادر أنها لعبت دوراً رئيسياً في إعداد جيل المواجهة للخطر الصليبي في البلاد الشامية وتدل الشواهد التاريخية على أن الطلاب الشاميين كانوا يشكلون مجموعة كبيرة بين الطلاب الذين يفدون من خارج العراق للدراسة في مدرسة عبد القادر، وقد قامت المدرسة القادرية بدور هام في إعداد أبناء النازحين من مناطق الاحتلال الصليبي، فكانت تستقدمهم وتوفر لهم الإقامة والتعليم، ثم تعيدهم إلى مناطق الثغور والمرابطة، ولقد كان هؤلاء الطلاب يعرفون باسم المقادسة، نسبة إلى مدينة القدس أو بيت المقدس، ويمكن القول أن أرسال هذه البعوث الطلابية إلى بغداد كان سببه أمران: الأول: حاجة الدولة الزنكية إلى نمط معين من القيادات والموظفين والإداريين: والثاني: ما اشتهرت به مدرسة عبد القادر آنذاك من تجسيد لسياسات