ودور الأيتام والمدارس ودور الحديث والخانات والربط والجسور والقناطر والقنوات والأسواق والحمامات والطرق العامة والمخافر والخنادق والأسوار وحيناً رابعاً تجيء عن طريق نظم (الوقف) التي شهدت في عصر نور الدين قمة نضجها وتنظيمها وازدهارها وحيناً خامساً عن طريق عدد من الإجراءات التنظيمية التي استهدفت تحقيق الضمان الاجتماعي لقطاع ما من قطاعات الأمة، كان نور الدين يرى في الدولة جهاز خدمة وإنجاز لا أداة قسر واستنزاف.
100. اهتم نور الدين بالمساجد اهتماماً عظيماً، فقد كان لها دور عظيم عبر التاريخ الإسلامي، فهو أول وأهم أمكنة التعليم على الإطلاق وقد كان المسجد بالإضافة إلى كونه محل عبادة المسلمين يجتمعون فيه خمس مرات في اليوم لأداء الصلوات المفروضة عليهم وظل المسجد قاعدة مهمة في التربية والتعليم، ويروى العماد الأصفهاني أن نور الدين أمر بإحصاء ما في محلات دمشق من مساجد هجرت أو خربت فأناف على مائة مسجد فأمره بعمارة ذلك كله وعين له أوقافاً وأصلح أحوال المسجد الأموي والمساجد في دولته بالتعمير المادي والمعنوي.
101. اهتم نور الدين بمؤسسات المجتمع المدني، كالمدارس، والربط، والكتاتيب وساهمت تلك المؤسسات في تحقيق أهداف الدولة الزنكية وساند تلك المؤسسات حركة الأوقاف الواسعة التي استخدمها نور الدين لضمان استمرارية وديمومة تلك المؤسسات.
102. لم يكن التعليم لدى دولة نور الدين مجرد نشاط أكاديمي يستهدف توفير الموظفين والمهنيين، وإنما كان بالدرجة الأولى نشاطاً عقائدياً استهدف إعادة صياغة الجماهير المسلمة بما يتفق وأهداف الإسلام والحاجات القائمة وكانت الصفة الجماعية للنشاط التعليمي الذي رافق الدولة الزنكية تبدو واضحة من تباري الوزراء القادة والأغنياء والرجال والنساء في إنفاق أموالهم في بناء المدارس والمؤسسات التعليمية وتوفير الفرصة لجميع أفراد الأمة لدخولها والاستفادة منها، فقد أعطت الخطة الزنكية أهمية خاصة لتعليم كافة المسلمين من عمال وفلاحين ومزارعين من الكبار والصغار والرجال والنساء وعملت الخطة على تعليم الجميع أصول العقيدة وأركان الدين والقيم والمبادئ الإسلامية، كما عمدت الخطة الحكيمة على تعرية المذاهب الهّدامة، والفرق الضالة من إسماعيلية باطنية، وشيعية إمامية، وشعوبية، وأبانت عن خطرها وضررها على النفس والمجتمع والأمة وأن لا خروج من المحنة ولاخلاص من الضياع إلا بالعودة إلى روح الدين النقية الطاهرة في صورتها الأولى التي كان عليها سلف هذه الأمة دون زيادة أو نقصان، ودون تعقيدات فلسفية ومجادلات كلامية لا