الفضل محمد بن عبد الله بن القاسم الشهرزوري، ومن الطريف أن هذه القيادات؛ كانت تتخير أسماءهم على نحو يوضح تعلقهم بالدين، فبينما البويهيون ينسبون أنفسهم للدولة فيقولون: عضد الدولة بهاء الدولة، صمصام الدولة، كان قادة هذه الدولة وأعوانهم والعاملون معهم يختارون عماد الدين، وسيف الدين وأسد الدين ونجم الدين، وصلاح الدين ونور الدين وثمة ملاحظة أخرى تعلق هذا الجيل بالدين جعلهم يحرصون على الجهاد والاستشهاد، فإذا لم يكتب لهم الاستشهاد أوصوا بدفنهم في مدافن المدينة المنورة، كما فعل الوزير جمال الدين الموصلي وأسد الدين شيركوه وأخوه نجم الدين أيوب والد صلاح الدين.
97. تواترت لدى المؤرخين المعاصرين أخبار الأمن والعدل واحترام الحريات العامة، كحرية الرأي والمحافظة على كرامة الفرد التي سادت في ذلك المجتمع في الوقت الذي انتفت جميعها في الأقطار الإسلامية المجاورة، ولقد علق ابن الأثير على ذلك فقال: قد طالعت تواريخ الملوك المتقدمين من قبل الإسلام ومنه إلى يومنا هذا فلم أرى فيه بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز ملكاً أحسن سيرة من الملك العادل نور الدين الدين، ولا اكثر تحرياً للعدل والإنصاف منه. قد قصر ليله ونهاره على عدل ينشره وجهاد يتجهز له، ومظلمة يزيلها، وعبادة يقوم بها وإحسان يوليه وإنعام يسديه، فلو كان في أمة لا فتخرت به فكيف في بيت واحد.
98. كانت خزائن دولة نور الدين تحظى دوماً بالقدر الكافي من المال، وكانت الدولة لها القدرة على الإنفاق في المجال العسكري والاجتماعي والتعليمي، وغيرها، فقد كان مصادر دخل دولة نور الدين متعددة منها؛ نظام الإقطاع الحربي، والزكاة والخراج والجزية، والغنائم وفداء الأسرى والأموال العظيمة التي خلقها أبوه عماد الدين، والأمانة الكبيرة التي تميز بها نور الدين وحكومته الرشيدة، وساهم استتباب الأمن والاستقرار الداخلي في انتعاش الحركة الاقتصادية للدولة، ومساهمة الأثرياء، ودعم الخليفة العباسي، و ... إلخ.
99. سعى نور الدين محمود إلى تقديم أوسع الخدمات الاجتماعية لشعبه وجعل مؤسسات الدولة أدوات صالحة في خدمة الجماهير وسعت لتغطيت شتى الحاجات: ابتداءً من قضايا المسكن والملبس والمأكل وانتهاءً بقضايا الروح ومروراً بالحاجات الفكرية والصحية والعمرانية والانتاجية وقد أخذت هذه الخدمات أساليب وأشكالاً مختلفة فهي حيناً تأتي عن طريق التوزيع المباشر للمال وحيناً عن طريق (الإعانة) على تلبية حاجة معينة أو الفكاك من الأسر وحيناً ثالثاً عن طريق إنشاء مؤسسات ومرافق كالمستشفيات والملاجيء