نور الدين بدمشق - في شهر صفر - والحديث يجري في طيب دمشق ورقة هوائها وأزهار رياضها وكل منا يمدحها ويطربها فقال نور الدين: إنما حب الجهاد يسليني عنها فما أرغب فيها وعندما دخل الموصل وغادرها بعد عشرين يوما سأله أصحابه: إنك تحب الموصل والمقام بها ونراك أسرعت العود؟ فيجيب: قد تغير قلبي فيها فإن لم أفارقها ظلمت، ويمنعني أيضاً أنني هاهنا لا أكون مرابطاً للعدو وملازماً للجهاد، وكان رحمه الله يتعرض للشهادة وكان يسأل الله أن يحشره من بطون السَّباع وحواصل الطير وبينت لوحات رائعة من عبادته، فقد كان يصلي أكثر الليالي ويناجي ربه مقبلاً بوجهه عليه ويؤدي الصلوات الخمس في أوقاتها بتمام شرائطها وأركانها وركوعها وسجوها ويحافظ على الجماعة وكان كثير الابتهال إلى الله عز وجل في أموره كلها وقد اشتهر بالانفاق الواسع والكرم العظيم وكانت له أوقاف في كافة مجالات الحياة الاجتماعية على المساجد والمدارس والمستشفيات، والأرامل والأيتام .. إلخ وقد مدح الشعراء نور الدين على كرمه وجوده فقد قال أحدهم:
يا أيها الملك المنادي جوده ... في سائر الآفاق هل من معسر
ولأنت أكرم من أناس نَوَّهوا ... باسم ابن أوس واستخصوا البحتري
ذلتَّ لدولتك الرقاب ولا تزل ... إن تغز تغنم أو تقاتل تظفر
ومدحه أسامة ابن منقذ بقوله:
في كل عام للبرية ليلة ... فيها تَشُبُّ النارُ بالإيقاد
لكن لنور الدين من دون الورى ... ناران: نار قرى ونار جهاد
أبداً يصَّرفها نداه بأسه ... فالعام أجمع ليلة الميلاد
مَلِك له في كل جيد منة ... أبهى من الأطواق في الأجياد
أعلى الملوكِ يداً وأمنعهم حمىً ... وأمدهم كفاً ببذل تلاد
يعطي الجزيل من النوال تبّرعاً ... من غير مسألة ولا ميعاد
وأشرت إلى أهم معالم التجديد والإصلاح في دولة نور الدين محمود، وكيف اتخذ من عمر بن عبد العزيز نموذجاً يقتدي به في دولته، فقد أقتنع بأهمية التجارب الإصلاحية في تقوية وأثراء المشروع النهضوي ودورها في إيجاد وصياغة الرؤية اللازمة في نهوض الأمة وتسلمها القيادة، فللتجارب التاريخية إسهام كبير في تطوير الدول وتجديد معاني الإيمان في الأمة ولذلك حرص على معرفة هذه السيرة المباركة كي يقتدي بها في إدارته للدولة ولقد