أتت معالم التجديد والإصلاح الراشدي في عهد عمر بن عبد العزيز ثمارها في الدولة الزنكية وكانت أهم معالم التجديد في دولة نور الدين:
1 - الحرص على تطبيق الشريعة: فقد جعل من مقاليد الحكم في الدولة أداة مسخرة لخدمة الشريعة وتطبيق أحكامها وقيمها ومبادئها في واقع الحياة ودعا إلى تحكيم الشريعة بحماس منقطع النظير وقال في هذا الصدد: ونحن نحفظ الطرق من لصّ وقاطع طريق والأذى الحاصل منها قريب أفلا نحفظ الدين ونمنع عنه ما يناقضه وهو الأًصل. وقال نحن شحن للشريعة نمضى أوامرها. فقد جدد للملوك اتباع سنة العدل والانصاف، وترك المحرمات من المأكل والمشرب والملبس وغير ذلك، فإنهم كانوا كثيراً من الحكام قبله كالجاهلية، همة أحدهم بطنه وفرجه لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً حتى جاء الله بدولته فوقف مع أوامر الشرع ونواهيه وألزم أتباعه وذويه، فاقتدى به غيره منهم، واستحيوا أن يظهر عنهم ما كانوا يفعلونه. فقد أصدر أوامره إلى كافة موظفيه على الالتزام بأحكام الشرع ومنع ارتكاب الفواحش وشرب الخمور، أو بيعها في جميع بلاده واسقط كل ما يدخل تحت شبه الحرام وإزالة كل ما يندّ عن محجة الشريعة البيضاء وينحرف إلى بؤر الظلام وكان ينزل العقاب السريع العادل بكل من خالف أمره وكل الناس عنده فيه سواء. وقد مدحه الشعراء فقال فيه ابن منير:
كم سيرة أحييتها عمريّة ... رفعت لها في الخافقين منار
ونوافل صّيرتهن لوازماً ... بأقلها تستعبد الأحرار
أما نهارك فهو ليل مجاهد ... والليل من طول القيام نهار
أيها الأخوة الكرام يا أبناء الإسلام يا من همهم النهوض الحضاري لهذه الأمة الجريحة، علينا بالسعي الدؤوب في مجتمعاتنا ودولنا حتى تأخذ الشريعة الغراء مكانتها وحقها من الاحترام والتقدير والتطبيق، فآثار تحكيم شرع الله في الشعوب التي نفذت أوامر الله ونوهيه ظاهرة بينه لدارس التاريخ ومن تلك الآثار، التمكين في الأرض والأمن والاستقرار والنصر والفتح المبين والعز والشرف وانزواء الرذائل، قد رأيناها في دراستنا لدولة الخلفاء الراشدين، ودولة عمر بن عبد العزيز، ودولة يوسف بن تاشفين، ودولة محمد الفاتح وهي من سنن الله الجارية والماضية والتي لا تتبدل ولا تتغير، فأي قيادة مسلمة تسعى لهذا المطلب الجليل والعمل العظيم مخلصة لله في قصدها، مستوعبة لسنن الله في الأرض فإنها تصل إليه ولو بعد حين، وترى آثار ذلك التحكيم على أفرادها ومجتمعاتها ودولها وحكامها كما سنرى