وبالجملة فالسماع من شبه الدين التي يتعين على من أستبرأ لدينه وعرضه التبرؤ منها، وهو من حيث صورته يشبه الباطل، فيترجح تركه، وقد صنف الناس فيه نفيا وثبوتا، ولم يختلفوا في فساده إذا اقترنت به أمور فاسدة، بحضور النساء وسماعهن أصوات الرجال، وحضور الآلات والشبان الحسان وإن أمنت الفتنة، لأنه يحرك ما في القلوب، والغالب على النفوس الشر، فلذلك قال صاحب (الأمر المحكم المربوط فيما يلزم الشيخ والمريد من الشروط) (?): إن السماع في هذا الزمان لا يقول به مسلم ولا يقتدى بشيخ يقول بالسماع ولا يعمل به، وقال الشيخ أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله: ليمس السماع من التصوف بالأصالة ولا بالعرض، وقال السهروردي: هو من رخص المذهب وهو أحرى بالصواب، وقد تقدم من كلام ابن العريف: لم يكن اجتماعهم إلا لمسألة تفتح أو نفس بالعبادة تسمح.
قلت: وقد تدعو الضرورة للسماع بغلبة حال أو وارد، فيجب الاقتصار على قدره بعد تحقق الضرورة، والذكر في ذلك أولى من القصائد والأزجال، لا سيما المحتملة، فأما الصريحة في الشر، كذكر القدود والخدود والخمور والشعور فتجنبها واجب ولا حديث معها، وبالله التوفيق.
...
89 - فصل
فيما يصنع من عرض له السماع
ونحوه بطريق الابتلاء أو الحاجة إليه، وهي خمسة أمور.
أولها: تصحيح النية في القصد بعد تحقق الموجب بوجه لا يشك فيه، وذلك بأن يدفعه حتى يغلبه الحال، ويتوقف فيه حتى يعلم الاضطرار إليه.