88 - فصل
في السماع والاجتماع.
وهو مما تسرع إليه نفوس الجاهلين، وتولع به قلوب الغافلين، وتؤثره توجهات الباطلين، وينتفع به ضعفاء المشرفين، وتقف معه حقائق المجانين، وترتاح إليه أكباد المفتونين، وتميل إليه كليات الممتحنين، وتنطبع معه أسرار المخدوعين، وتربوا به زوائد المستدرجين، وتجنح له كليالت المدعين، وينقطع به جهلة المتوجهين، وتتضرر به بصائر المريدين، وتنقص به مواد العارفين، وقد يتعلق به بعض الواصلين لإفادة غيرهم، أو رفقا بأبدانهم، أو موافقة للحال في وقتهم، فهو موقف الإبطال، ومزلة أقدام الرجال، وأكثر ما يعتني به أهل البطالة والضلال، فقد قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي (ض): سألت أستاذي رحمه الله عن السماع، فأجابني بقوله تعالى: {إنهم ألفوا آباءهم ضالين * فهم على آثارهم يهرعون}، وقال الشيخ أبو العباس المرسي (ض): من كان من فقراء هذا الزمان مؤثرا لهواه، آكلا لما حرمه مولاه، ففيه نزغة يهودية، لأن القوال يذكر العشق وما هو بعاشق، والمحبة وما هو بمحب، والوجد وما هو بمواجد، فالقوال يقول الكذب، والمستمع سماع له، ومن أكل من الفقراء طعام الظلمة حين يدعى إلى السماع، فهو يصدق عليه قوله تعالى: {سماعون للكذب أكالون للسحت}، قال: وعبر بعض الصحابة على بعض اليهود فسمعهم يقرؤون التوراة فتخشعوا، فلما دخلوا على رسول الله (ص) نزل عليه جبريل (س) فقال: اقرأ، قال:
((وما أقرأ)) قال: اقرأ: {أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم}، فعوتبوا (?)، إذ تخشعوا من غيره، وهم إنما تخشعوا من التوراة وهي كلام الله، فما ظنك بهذا، أعرض عن كتاب الله، وتخشع من الملاهي والغناء، انتهى.