وهذه الأحاديث توجهنا إلى الإكثار من الأعمال الخيرة التي تصلح نفوسنا، وتقرب الملائكة منّا، ففي قرب الملائكة منا خير عظيم. وقد سبق ذكر حديث ابن عباس الذي يبين فيه تأثير لقيا الرسول صلى الله عليه وسلم بجبريل في شهر رمضان، لمدارسته القرآن، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يكون حين ذاك أجود بالخير من الريح المرسلة (?) .
المطلب الخامس
تسجيل صالح أعمال بني آدم وسيئها
الملائكة موكلون بحفظ أعمال بني آدم من خير وشرّ، وهؤلاء هم المعنيون بقوله تعالى: (وإنَّ عليكم لحافظين - كراماً كاتبين - يعلمون ما تفعلون) [الانفطار: 10-12] .
وقد وكل الله بكل إنسان ملكين حاضرين، لا يفارقانه، يحصيان عليه أعماله وأقواله: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد - إذ يتلقَّى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيدٌ - مَّا يلفظ من قول إلاَّ لديه رقيب عتيد ٌ) [ق: 16-18] .
ومعنى قعيد، أي: مترصد. ورقيب عتيد، أي: مراقب معد لذلك لا يترك كلمة تفلت.
والظاهر أن الملائكة الموكلة بالإنسان تكتب كل ما يصدر عن الإنسان من أفعال وأقوال، لا يتركون شيئاً؛ لقوله تعالى: (مَّا يلفظ من قولٍ) [ق: 18] .
ولذلك فإن الإنسان يجد كتابه قد حوى كلّ شيء صدر منه، ولذلك فإنّ الكفار ينادون يرون كتاب أعمالهم يوم القيامة قائلين: (يا وَيْلَتَنَا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلاَّ أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربُّك أحداً) [الكهف: 49] .
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان