كل ذلك صيانة للجناب النبوي، والمقام المحمدي خاتم الرسل، وسيد البشر - صلى الله عليه وسلم - أن ينسب إليه كذب، أو يحدث عنه بما ليس فيه " (?) .
وما احتجوا به من أن الله استثنى إبليس من الملائكة ... ليس دليلاً قاطعاً، لاحتمال أن يكون الاستثناء منقطعاً، بل هو كذلك حقا، للنصّ على أنّه من الجن في قوله تعالى: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلاَّ إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ... ) [الكهف: 50] .
وقد ثبت لدينا بالنص الصحيح أن الجن غير الملائكة والإنس، فقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم: (أن الملائكة خلقوا من نور، وأن الجن خلقوا من مارج من نار، وأن آدم خلق من طين) . والحديث في صحيح مسلم.
قال الحسن البصري: " لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين " (?) . والذي حققه ابن تيمية: " أن الشيطان كان من الملائكة باعتبار صورته، وليس منهم باعتبار أصله، ولا باعتبار مثاله " (?) .
هل الشيطان أصل الجن أم واحد منهم؟
ليس لدينا نصوص صريحة تدلنا على أن الشيطان أصل الجن، أو واحد منهم، وإن كان هذا الأخير أظهر لقوله: (إلاَّ إبليس كان من الجن) [الكهف: 50] .
وابن تيمية رحمه الله يذهب إلى أن الشيطان أصل الجن، كما أنّ آدم أصل الإنس (?) .
المطلب الثالث
قبح صورة الشيطان
الشيطان قبيح الصورة، وهذا مستقر في الأذهان، وقد شبه الله ثمار شجرة الزقوم التي تنبت في أصل الجحيم برؤوس الشياطين، لما علم من قبح صورهم وأشكالهم (إنَّها شجرةٌ تخرج في أصل الجحيم - طلعها كأنَّه رُؤُوسُ الشَّياطين) [الصافات: 64-65] .
وقد كان النصارى في القرون الوسطى يصورون الشيطان على هيئة رجل أسود ذي لحية مدببة، وحواجب مرفوعة، وفم ينفث لهباً، وقرون وأظلاف وذيل (?) .
المطلب الرابع
الشيطان له قرنان
في صحيح مسلم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَحَرّوا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا غروبها، فإنّها تطلع بقرني شيطان) (?) .
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز الشمس، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب، ولا تَحَيُّنوا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا غروبها، فإنّها تطلع بين قرني شيطان) (?) .
والمعنى أن طوائف المشركين كانوا يعبدون الشمس، ويسجدون لها عند طلوعها، وعند غروبها، فعند ذلك ينتصب الشيطان في الجهة التي تكون فيها الشمس، حتى تكون عبادتهم له.
وقد جاء هذا مصرحاً به في صحي مسلم، فقد سأل عمرو بن عبسة السلمي الرسول عن الصلاة. فقال صلى الله عليه وسلم: (صل صلاة الصبح، ثم أقصر الصلاة حتى تطلع الشمس، حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار، ثمّ صلَّ، فإن الصلاة مشهودة محضورة) .
ثم نهاه عن الصلاة بعد العصر (حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار) (?) .
وقد نهينا عن الصلاة في هذين الوقتين، والصحيح أن الصلاة في هذين الوقتين جائزة، إذا كان لها سبب كتحية المسجد، ولا تجوز بلا سبب كالنفل المطلق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تَحَيّنوا) ؛ أي لا تتقصدوا.
ومما ورد فيه ذكر قرن الشيطان حديث البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى المشرق، فقال: (ها إنَّ الفتنة هاهنا، إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان) (?) . والمراد بقوله: (حين يطلع الشيطان) ؛ أي جهة الشرق.
طعام الجن وشرابهم ونكاحهم
المطلب الأول
طعامهم وشرابهم
الجن - والشيطان منهم - يأكلون ويشربون، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صل الله عليه وسلم - أمره أن يأتيه بأحجار يستجمر