خلقهم لطاعته، وكلفهم بشريعته، يقضي على الخرافات التي تنشأ عن الانحراف في التصور، وعن ضمور العلم وكثرة الجهل، فمن ذلك ما شاع عند اليهود ومشركي العرب، من أن الله - تعالى وتقدس - خطب من سروات الجنّ وتزوج منهم، وكان الملائكة ثمرة هذا الزواج، وقد حكى الله هذه الخرافة وبين بطلانها: (وجعلوا بينه وبين الجنَّة نسباً ولقد علمت الجنَّة إنَّهم لمحضرون - سبحان الله عمَّا يصفون - إلاَّ عباد الله المخلصين) [الصافات: 158-160] .
قال ابن كثير عند تفسيره هذه الآيات: " قال مجاهد: قال المشركون: الملائكة بنات الله - تعالى عما يقولون - فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: فمن أمهاتهنّ؟ قالوا: بنات سروات الجنّ. وبمثل قول مجاهد قال قتادة وابن زيد ... ، وقال العوفي عن ابن عباس: زعم أعداء الله أنه - تبارك وتعالى - هو وإبليس أخوان، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً " (?) .
رسل الله إلى الجن
بما أنهم مكلفون فلا بدّ أن يبلغهم الله وحيه، ويقيم عليهم الحجة، فكيف حصل ذلك؟ هل لهم رسل منهم، كما للبشر رسل منهم، أم أن رسلهم هم رسل البشر؟ .
إن قوله: (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم) [الأنعام: 130] يدلّ على أن الله أرسل إليهم رسلاً، ولكنها لم تصرح بأن هؤلاء الرسل من الجن أو من الإنس؛ لأن قوله: (منكم) يحتمل الأمرين؛ فقد يكون المراد أن رسل كل جنس منهم، وقد يراد أن رسل الإنس والجن من مجموعهما، فيصدق على أحدهما وهم الإنس. وقد اختلف في ذلك على قولين:
الأول: أن للجن رسلاً منهم، وممن قال بهذا القول الضحاك، وقال ابن الجوزي: وهو ظاهر الكلام، وقال ابن حزم: " لم يبعث إلى الجن نبي من الإنس ألبتّة قبل محمد صلى الله عليه وسلم ".