الجنة وفاقاً لمالك والشافعي رضي الله عنهما - لا أنهم يصيرون تراباً كالبهائم، وإن ثواب مؤمنهم النجاة من النار، خلافاً لأبي حنيفة، والليث بن سعد ومن وافقهم ".
قال: " وظاهر الأول أنهم في الجنة كغيرهم بقدر ثوابهم، خلافاً لمن قال لا يأكلون ولا يشربون كمجاهد، أو أنهم في ربض الجنّة، حول الجنة كعمر بن عبد العزيز، قال ابن حامد في كتابه: " الجن كالإنس في التكليف والعبادات " (?) .
وقد عقد الشبلي باباً قال فيه: " باب في أن الجن مكلفون بإجماع أهل النظر ". نقل فيه عن أبي عمر بن عبد البر: أن الجن عند الجماعة مكلفون مخاطبون لقوله تعالى: (فَبِأَيِّ آلاء ربكما تكذبان) [الرحمن: 13] . وقال الرازي في تفسيره: " أطبق الكل على أن الجن كلهم مكلفون ".
ونقل الشبلي عن القاضي عبد الجبار قوله: " لا نعلم خلافاً بين أهل النظر في أنّ الجن مكلفون، وقد حكى عن بعض المؤلفين في المقالات أن الحشوية قالوا: إنهم مضطرون إلى أفعالهم، وأنهم ليسوا مكلفين ".
قال: " والدليل على أنهم مكلفون ما في القرآن من ذمّ الشياطين ولعنهم، والتحرز من غوائلهم وشرهم، وذكر ما أعد الله لهم من العذاب، وهذه الخصال لا يفعلها الله تعالى إلا لمن خالف الأمر والنهي، وارتكب الكبائر، وهتك المحارم، مع تمكنه من أن لا يفعل ذلك، وقدرته على فعل خلافه، ويدل على ذلك أيضاً أنه كان من دين النبي صلى الله عليه وسلم لعن الشياطين، والبيان عن حالهم، وأنهم يدعون إلى الشر والمعاصي، ويوسوسون بذلك. وهذا كله يدل على أنهم مكلفون، وقوله تعالى: (قل أوحي إليَّ أنَّه استمع نفرٌ من الجن) [الجن: 1] إلى قوله: (فَآمَنَّا به ولن نشرك بربنا أحداً) [الجن: 2] (?) .
تكليفهم بحسبهم:
يقول ابن تيمية: " الجن مأمورون بالأصول والفروع بحسبهم، فإنهم ليسوا مماثلين للإنس في الحدّ والحقيقة؛ فلا يكون ما أمروا به ونهوا عنه مساوياً لما على الإنس في الحدّ، لكنهم مشاركون الإنس في جنس التكليف بالأمر والنهي، والتحليل والتحريم، وهذا ما لم أعلم فيه نزاعاً بين المسلمين " (?) .
كيف يعذبون بالنار وقد خلقوا من النار
يورد بعض الناس شبهة فيقولون: أنتم تقرون أن الجن خلقوا من نار، ثمّ تقولون: إنّ كافرهم يعذب في نار جهنم، ومسترق السمع منهم يقذف بشهب من نار، فكيف تؤثر النار فيهم وقد خلقوا منها؟
الجواب: أنّ الأصل الذي خلقوا منه النار، أمّا بعد خلقهم فليسوا كذلك، إذ أصبحوا خلقاً مخالفاً للنار، يوضح هذا أن الإنسان خلق من تراب، ثم بعد إيجاده أصبح مخالفاً للتراب، ولو ضربت إنساناً بقطعة مشوية من الطين لقتلته، ولو رميته بالتراب لآذاه، ولو دفنته فيه لاختنق، فمع أنه من تراب إلا أن التراب يؤذيه، فكذلك الجن.
قال أبو الوفاء ابن عقيل: " أضاف الشياطين والجان إلى النار حسب ما أضاف الإنسان إلى التراب والطين والفخار، والمراد به في حق الإنسان أن أصله الطين، وليس الآدمي حقيقة، لكنه كان طيناً، كذلك الجان كان ناراً في الأصل " (?) .
لا نسب بين الجن ورب العزة:
هذا الذي ذكرناه من أن الجن خلق من خلق الله، وعباد من جملة عباده،