والوداع ينقسم قسمين، أحدهما لا يتمكن فيه إلا بالنظر والإشارة والثاني يتمكن فيه بالعناق والملازمة، وربما لعله كان لا يمكن قبل ذلك البتة مع تجاوز المحال وإمكان التلاقي، ولهذا تمنى بعض الشعراء البين ومدحوا يوم النوى، وما ذاك بحسن ولا بصواب ولا بالأصيل من الرأي، فما يفي سرور ساعة بحزن ساعات، فكيف إذا كان البين أياماً وشهوراً وربما أعواماً وهذا سوء من النظر ومعوج من القياس، وإنما أثنيت على النوى في شعري تمنياً لرجوع يومعا، فيكون في كل يوم لقاء ووداع، على أن تحتمل مضض هذا الاسم الكريه، وذلك عندما يمضي من الأيام التي لا التقاء فيها فحينئذ يرغب المحب من يوم الفراق لو أمكنه في كل يوم؛ وفي الصنف الأول من الوداع أقول شعراً منه: [من البسيط] .
تنوب عن بهجة الأنوار بهجته ... كما تنوب عن النيران أنفاسي وفي الصنف الثاني من الوداع أقول شعراً منه: [من البسيط] .
وجه تخر له الأنوار ساجدة ... والوجه تم فلم ينقص ولم يزد دفء وشمس الضحى بالجدي نازلة ... وبارد ناعم والشمس في الأسد ومنه: يوم الفراق لعمري لست أكرهه ... أصلا وإن شت شمل الروح عن جسدي ففيه عانقت من أهوى بلا جزع ... وكان من قبله إن سيل لم يجد أليس من عجب دمعي وعبرتها ... يوم الوصال ليوم البين ذو حسد