وهل هجس في الأفكار أو قام في الظنون أشنع وأوجع من هجر عتاب وقع بين محبين، ثم فجأتهما النوى قبل حلول الصلح وانحلال عقدة الهجران، فقاما إلى الوداع وقد نسي العتاب، وجاء ما طم عن القوى وأطار الكرى؛ وفيه أقول شعراً منه: [من الطويل] .
وقد سقط العتب المقدم وامحى ... وجاءت جيوش البين تجري وتسرع وقد ذعر البين الصدود فراعه ... فولى فما يدرى له اليوم موضع كذئب خلا بالصيد حتى أظله ... هزبر له من جانب الغيل مطلع لئن سرني في طرده الهجر إنني ... لإبعاده عني الحبيب لموجع ولابد عند الموت من بعض راحة ... وفي غبها الموت الوحي المصرع وأعرف من أتى ليودع محبوبه يوم الفراق فوجده قد فات، فوقف على آثاره ساعة وتردد في الموضع الذي كان فيه ثم انصرف كئيباً متغير اللون كاسف البال، فما كان بعد أيام قلائل حتى اعتل ومات، رحمه الله.
وإن للبين في إظهار السرائر المطوية عملاً عجباً: ولقد رأيت من كان حبه مكتوماً وبما يجد فيه مستتراً حتى وقع حادث الفراق فباح المكنون وظهر الخفي.
وفي ذلك أقول قطعة منها: [من المتقارب] .
بذلت من الود ما كنت قبل ... منعت وأعطيتنيه جزافا وما لي به حاجة عند ذاك ... ولو جدت قبل بلغت الشغافا وما ينفع الطب عند الحمام ... وينفع قبل الردى من تلافى وأقول: [من الكامل] .
الآن إذ حل الفراق وجدت لي ... بخفي حب كنت تبدي بخله