الثاني: القول بأن وسائل الدعوة توقيفية-بمعنى اشتراط الدليل الخاص لكل وسيلة، وعدم الاكتفاء بدلالة عموم النصوص الشرعية، وسائر الأدلة-!.
وشتان بين الأمرين؛ فالقول الأول معناه الاتّباع في الدعوة وعدم الابتداع. والقول الثاني معناه قفْلُ باب الاجتهاد في أمْرٍ شَرَع الله فيه الاجتهاد، وهو وسائل الدعوة؛ ولا يَصِحّ أن يُقْفل باب الاجتهاد الذي شَرَعه الله تعالى بحجة الاتّباع، كما لا يَصِح إلغاء الاتّباع بحجة القول بالاجتهاد.
- مما يُرَدُّ به على القول بأن وسائل الدعوة توقيفية، المطالبة بالدليل في موضعِ البحث والنظر؛ فهل مِن دليلٍ يَنُصُّ على هذا الفهم؟ أو هو فهم يَدَّعي صاحبه أنه حُكْم الشرع فقط؟.
إنه ليس مِن دليلٍ سوى نصوصٍ عامّة قد يستدل صاحب هذا القول بعمومها، نَعَمْ عمومها فقط، العموم الذي لا يتعارض مع القول بالإطلاق في وسائل الدعوة- في دائرة الضوابط الشرعية- وذلك لقيام الدليل على تخصيص هذا العموم في هذه الناحية من الموضوع.
- إننا قد نَعْجب من الاتجاه إلى القول بأن وسائل الدعوة توقيفية، في حين أننا لم نر دليلاً واحداً من الكتاب أو السنة يأمر بأن ندعو إلى الله تعالى بوسيلة محدّدة، وإنما جاءت الأدلة بالأمر بالدعوة مطلقاً، أو الأمر بالدعوة مقروناً بالنصِّ على منهج الدعوة المطلوب، أو أسلوبها المطلوب، أو غايتها.
وأما ما سوى ذلك فلم نَرَ دليلاً واحداً يأمر به، أو يحدده، أو ينص أن الدعوة فيه توقيفية؛ فلماذا نذهب إلى هذا التوقيف في غير موضعه الشرعي؟! لماذا ندّعي أن الحكم الشرعيّ هنا توقيفيٌّ مع عدم قيام الدليل الشرعيّ؟! بل إنّه يعارض الدليل الشرعيّ!.