"قال أبو عبد الله"1" رحمه الله: فأقول -واللهِ العالِمِ- لو أن رجلاً أنعمَ نظره، وميَّز فكْره، وسَمَا بطرْفِهِ، واستقصى بجهده، طالباً خَصلةً واحدةً في أحدٍ مِن فقهاء المدينة والمتصدرين للفتوى فيها"2" لَمَا وجدها. بل لو أراد أضدادها والمكروهَ والمرذولَ مِن سجايا دناءةِ الناس وأفعالِهم فيهم، لوجد ذلك متكاثِفاً متضاعِفاً، واللهَ نسألُ صفحاً جميلاً وعفواً كثيراً".
"ابن أبي أوس، عن أخيه، عن أبيه، قال: أدركتُ الفقهاء بالمدينة يقولون: لا يجوز أن يَنْصب نفسه للفتوى، ولا يجوز أن تَسْتفتي إلا الموثوقَ في: عفافه، وعقله، وصلاحه، ودينه، وورعه، وفقهه، وحِلْمه ورِفْقه، وعِلْمه بأحكام القرآن، والمُحْكَمِ والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، عالِماً بالسنّةِ والآثار، وبمن نَقَلها، والمعمولِ به منها والمتروك، عالماً بوجوهِ الفقه التي فيها الأحكام، عالِماً باختلاف الصحابة والتابعين، فإنه لا يستقيم أن يكون صاحبَ رأي ليس له علم بالكتاب والسنة والأحاديث والاختلاف، ولا صاحِبَ حديثٍ ليس له عِلمٌ بالفقه والاختلاف ووجوه الكلام فيه. وليس يستقيم واحد"3" منهما"4" إلا بصاحبه. قالوا: ومَن كان من أهل العلم والفقه والصلاح بهذه المنزلة، إلا أنّ طُعْمته من الناس وحاجاته مُنْزَلةٌ بهم، وهو محمولٌ عليهم، فليس بموضعِ الفتوى، ولا موثوقٍ به في فتواه، ولا مأمونٍ على