"واثبوراه"، فأتباعه من أولاده وغيرهم خلفه ينادون "واثبوراهم" حتى قيل: إن كل عذاب يقسم على أهل النار يبدأ به فيه، ثم يصير إليهم.
فصل
وأما حكم مؤمنيهم فى الدار الآخرة، فجمهور السلف والخلف على أنهم فى الجنة. وترجم على ذلك البخارى فى صحيحه فقال: "باب ثواب الجن وعقابهم" لقوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِى} [الأنعام: 130] الآية. بخساً نقصاً، قال مجاهد: {وَجَعلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنّةِ نَسَباً} . قال كفار قريش: الملائكة بنات الله، وأُمهاتهم بنات سروات الجن. قال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضِرُونَ} [الصافات: 158] ستحضر للحساب.
ثم ذكر حديث أبى سعيد: "إذا كنت فى غنمك أو باديتك فأَذَّنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداءِ فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة"، سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا ما ذكره فى الباب.
وقد ذهب جمهور الناس إلى أن مؤمنيهم فى الجنة وحكى عن أبى حنيفة وغيره أن ثوابهم نجاتهم من النار. واحتج لهذا بقوله تعالى حكاية عنهم:
{يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِى اللهِ} [الأحقاف: 31] الآية، فجعل غاية ثوابهم إجارتهم من العذاب الأليم.
وأما الجمهور فقالوا: مؤمنهم فى الجنة كما أن كافرهم فى النار، ثم اختلفوا فأطلق أكثر الناس دخول الجنة ولم يقيدوه. وقال سهل بن عبد الله: يكونون فى ربض الجنة يراهم المؤمنون من حيث لا يرونهم. فهذه مذاهب الناس فى أحكامهم فى الآخرة، وأما أحكامهم فى الدنيا فاختلف الناس: هل هم مكلفون بالأمر والنهى، أم هم مضطرون على أفعالهم؟ على قولين حكاهما أبو الحسن الأشعرى فى كتاب "المقالات" له فقال: واختلف الناس فى الجن، هل هم مكلفون، أم مضطرون؟ فقال قائلون من المعتزلة وغيرهم: هم مأْمورون منهيون وقد أُمروا ونهوا، وهم مختارون، وزعم زاعمون أنهم مضطرون.
قلت: الصواب الذى عليه جمهور أهل الإسلام أنهم مأْمورون منهيون مكلفون بالشريعة الإسلامية، أدلة القرآن والسنة على ذلك أكثر من أن تحصر. فإضافة هذا