فلم [يطبق] عليهم الرجال، بل هى تسمية مقيدة بقوله: {مِنَ الْجِنِّ} فهم رجال من الجن ولا يستلزم ذلك دخولهم

فى الرجال عند الإطلاق كما تقول: رجال من حجارة، ورجال من خشب ونحوه.

فصل

وقد اتفق المسلمون على أن كفار الجن فى النار وقد دلَّ على ذلك القرآن فى غير موضع كقوله تعالى: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّى لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13] ، وقوله تعالى: {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:85] الآية، فملؤها منه به وبكفار ذريته. وقال تعالى: {ادْخُلُوا فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ فِى النَّارِ} [الأعراف: 38] . وقال تعالى فى حكاية عن مؤمنهم: {وَأَنّا مِنّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنّا الْقَاسِطُونَ} إلى قوله: {حَطَباً} [الجن: 14-15] ، وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِن الجن والإنس} [الأعراف: 179] وقال تعالى: {فكبكبِوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُون وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} وجنوده إن لم يختص بالشياطين فهم داخلون فى عمومه.

وبالجملة فهذا أمر معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، وهو يستلزم تكليف الجن بشرائع الأنبياءِ ووجوب اتباعهم لهم. فأما شريعتنا فأجمع المسلمون على أن محمداً صلى الله عليه وسلم بعث إلى الجن والإنس، وأنه يجب على الجن طاعته، كما يجب على الإنس، وأما قبل نبينا صلى الله عليه وسلم فقوله تعالى: {ادْخُلُوا فِى أممٍ قَدْ خَلَت مِن قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ فِى النَّارِ} يدل على الأمم الخالية من كفار الجن فى النار، وذلك إنما يكون بعد إقامة الحجة عليهم بالرسالة.

وقد دلت سورة الرحمن على تكليفهم بالشرائع كما كلف الإنس، ولهذا يقول فى إثر كل آية: {فَبِأَى آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} فدلَّ ذلك على أن السورة خطاب للثقلين معاً، ولهذا قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن قراءَة تبليغ وأخبر أصحابه أنهم كانوا أحسن رداً منهم، فإنهم جعلوا يقولون كلما قرأَ عليهم: {فَبأْى آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} : لا نكذب بشيء من آلائك ربنا فلك الحمد.

ولما كان أبوهم هو أول من دعا إلى معصية الله، وعلى يده حصل كل كفر وفسوق وعصيان فهو الداعى إلى النار، وكان أول من يكسى حلة من النار يوم القيامة يسحبها وينادى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015