وغيرهم أنهم كرهوا الكلام فى هذه المسألة جملة.

الطبقة الخامسة عشرة: طبقة الزنادقة، وهم قوم أظهروا الإسلام ومتابعة الرسل، وأبطنوا الكفر ومعاداة الله [ورسوله] . وهؤلاء المنافقون، وهم فى الدرك الأسفل من النار، قال تعالى: {إِنَّ المُنَافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً} [النساء: 145] ، فالكفار المجاهرون بكفرهم أخف، وهم فوقهم فى دركات النار. لأن الطائفتين اشتركتا فى الكفر ومعاداة الله ورسله وزاد المنافقون عليهم بالكذب والنفاق، وبلية المسلمين بهم أعظم من بليتهم بالكفار المجاهرين، ولهذا قال تعالى فى حقهم: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} [المنافقون: 4] ، ومثل هذا اللفظ يقتضى الحصر، أى لا عدو إلا هم، ولكن لم يرد هاهنا [حصر العداوة فيهم وأنهم لا عدو للمسلمين سواهم بل هذا] من إثبات الأولوية والأحقية لهم فى هذا الوصف، وأنه لا يتوهم بانتسابهم إلى المسلمين ظاهراً وموالاتهم [لهم] ومخالطتهم إياهم أنهم ليسوا بأعدائهم، بل هم أحق بالعدواة ممن باينهم فى الدار، ونصب لهم العداوة وجاهرهم بها. فإن ضرر هؤلاءِ المخالطين لهم المعاشرين لهم- وهم فى الباطن على خلاف دينهم- أشد عليهم من ضرر من جاهرهم بالعداوة وألزم وأدوم، لأن الحرب مع أولئك ساعة أو أياماً ثم ينقضى ويعقبه النصر والظفر، وهؤلاء معهم فى الديار والمنازل صباحاً ومساءً، يدلون العدو على عوراتهم ويتربصون بهم الدوائر ولا يمكنهم مناجزتهم، فهم أحق بالعداوة من المباين المجاهر، فلهذا قيل: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْوهُمْ} [المنافقون: 4] ، لا على معنى أنه لا عدو لكم سواهم، بل على معنى أنهم أحق بأن يكونوا لكم عدواً من الكفار المجاهرين. ونظير ذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم: "ليس المسكين الطواف الذى ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذى لا يسأل الناس، ولا يفطن له فيتصدق عليه"، فليس هذا نفياً لاسم المسكين عن الطواف، بل إخبار بأن هذا القانع الذى لا يسمونه مسكيناً أحق بهذا الاسم من الطواف الذى يسمونه مسكيناً.

ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصُّرعة، ولكن الذى يملك نفسه عند الغضب"،ليس نفياً للاسم عن الصرعة، ولكن إخبار بأن من يملك نفسه عند الغضب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015