البرزخ وعرصات القيامة فلا ينقطع وهذا معلوم بالضرورة من الدين من وقوع التكليف بمسألة الملكين فى البرزخ وهى تكليف.

وأما فى عرصة القيامة فقال تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم: 42] ، [فهذا] صريح فى أن الله يدعو الخلائق إلى السجود يوم القيامة، وأن الكفار يحال بينهم وبين السجود إذ ذاك، ويكون هذا التكليف، بما لا يطاق حينئذ حساً عقوبة لهم، لأنهم كلفوا به فى الدنيا وهم يطيقونه فلما امتنعوا منه وهو مقدور لهم كلفوا به وهم لا يقدرون عليه حسرة عليهم وعقوبة لهم، ولهذا قال تعالى: {وَقدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم: 43] [يعنى أصحابه لا أحد يمنعهم منه فلما تركوه وهم سالمون] دعوا إليه فى وقت حيل بينهم وبينه كما فى الصحيح من حديث زيد ابن أسلم عن عطاء عن أبى سعيد رضى الله عنه: "إن ناساً قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا"- فذكر الحديث بطوله، إلى أن قال- "فيقول تتبع كل أُمه ما كانت تعبد فيقول المؤمنون: فارقنا الناس فى الدنيا أفقر ما كنا إليهم، ولم نصاحبهم. فيقول: أنا ربكم. فيقولون: نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئاً- مرتين أو ثلاثاً- حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه بها" فيقولون نعم، فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاءً ورياءً إلا جعل الله ظهره:" [طبقة] واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ثم يرفعون رؤوسهم" وذكر الحديث.

وهذا التكليف نظير تكليف البرزخ بالمسألة، فمن أجاب فى الدنيا طوعاً واختياراً أجاب فى البرزخ، [ومن امتنع من الإجابة فى الدنيا منع منها فى البرزخ] ولم يكن تكليفه فى الحال وهو غير قادر قبيحاً، بل هو مقتضى الحكمة الإلهية، لأنه كلف وقت القدرة فأَبى، فإذا كلف وقت العجز وقد حيل بينه وبين الفعل كان عقوبة له وحسرة.

والمقصود أن التكليف لا ينقطع إلا بعد دخول الجنة أو النار، وقد تقدم أن حديث الأسود بن سريع صحيح، وفيه التكليف فى عرصة القيامة. فهو مطابق لما ذكرنا من النصوص الصحيحة الصريحة.

فعلم أن الذى تدل عليه الأدلة الصحيحة وتأْتلف به النصوص ومقتضى الحكمة هذا القول والله أعلم.

وقد حكى بعض أهل المقالات عن عامر بن أشرس أنه ذهب إلى أن الأطفال يصيرون فى يوم القيامة تراباً، وقد نقل عن ابن عباس ومحمد بن الحنفية والقاسم بن محمد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015