أحق منه بهذا الاسم.

ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم: "ما تعدون المفلس فيكم"؟ قالوا: من لا درهم له ولا متاع. قال: "المفلس من يأتى يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، ويأْتى قد لطم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا، فيقتص هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أُخذ من سيئاتهم ثم طرح عليه فأُلقى فى النار"، ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم: "ما تعدون الرقوب فيكم"؟ قالوا: من لا يولد له؟ قال: "الرقوب من لم يقدم من ولده شيئاً"، ومنه عندى قوله صلى الله عليه وسلم: "الربا فى النسيئة".

وفى لفظ: "إنما الربا فى النسيئة" هو إثبات لأن هذا النوع هو أحق باسم الربا من ربا الفضل، وليس فيه اسم الربا عن ربا الفضل. فتأمله.

والمقصود أن هذه الطبقة أشقى الأشقياءِ، ولهذا يستهزأُ بهم فى الآخرة، وتعطى نوراً يتوسطون به على الصراط ثم يطفيء الله نورهم ويقال لهم: {ارْجَعُوا وَرَاءَكُمْ فَالتَمِسُوا نُوراً} [الحديد: 13] ، ويضرب بينهم وبين المؤمنين: {بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قَبْلِهِ الْعَذَابُ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُم وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِى حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللهِ وَغرَّكُمْ بِاللهِ الغرُورِ} [الحديد: 13] ، وهذا أشد ما يكون من الحسرة والبلاءِ أن يفتح للعبد طريق النجاة والفلاح، حتى إذا ظن أنه ناج ورأى منازل السعداءِ اقتطع عنهم وضربت عليه الشقوة ونعوذ بالله من غضبه وعقابه.

وإنما كانت هذه الطبقة فى الدرك الأسفل لغلظ كفرهم، فإنهم خالطوا المسلمين وعاشروهم، وباشروا من أعلام الرسالة وشواهد الإيمان ما لم يباشره البعداءُ، ووصل إليهم من معرفته وصحته ما لم يصل إلى المنابذين بالعداوة، فإذا كفروا مع هذه المعرفة والعلم كانوا أغلظ كفراً وأخبث قلوباً، وأشد عداوة لله ولرسوله وللمؤمنين من البعداءِ عنهم، وإن كان البعداء متصدين لحرب المسلمين.

ولهذا قال تعالى [فى المنافقين] : {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُم لا يَفْقَهُونَ} [المنافقين: 3] ، وقال تعالى فيهم: {صُم بُكْمُّ عُمِى فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [البقرة: 18] ، وقال تعالى فى الكفار: {صُم بُكْم عُمْى فَهُمْ لا يرْجَعُونَ} [البقرة: 171] ، فالكافر لم يعقل، والمنافق أبصر ثم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015