ولهذا رواه الأئمة أحمد وإسحق وعلى بن المدينى.
الرابع: أنه قد نص جماعة من الأئمة على وقوع الامتحان فى الدار الآخرة، وقالوا: لا ينقطع التكليف إلا بدخول دار القرار ذكره البيهقى عن غير واحد من السلف.
الخامس: ما ثبت فى الصحيحين من حديث أبى هريرة وأبى سعيد فى الرجل الذى هو آخر أهل الجنة دخولاً إليها أن الله سبحانه وتعالى يأخذ عهوده ومواثيقه أن لا يسأله غير الذى يعطيه، وأنه يخالفه ويسأله غيره، فيقول الله تعالى: "ما أغدر كغدرك"، وهذا الغدر منه هو لمخلفته للعهد الذى عاهد ربه عليه.
السادس: قوله: وليس ذلك فى وسع المخلوقين. جوابه من وجهين:
أحدهما: أن ذلك ليس تكليفاً بما ليس فى الوسع، وإنما تكليف بما فيه مشقة شديدة، وهو كتكليف بنى إسرائيل قتل أولادهم وأزواجهم وآبائهم حين عبدوا العجل، وكتكليف المؤمنين إذا رأوا الدجال ومعه مثال الجنة والنار أن يقعوا فى الذى يرونه ناراً.
والثانى: أنهم لو أطاعوه ودخلوها لم يضرهم، وكانت برداً وسلاماً، فلم يكلفوا بممتنع ولا بما لم يستطع.
السابع: أنه قد ثبت أنه سبحانه وتعالى يأْمرهم فى القيامة بالسجود ويحول بين المنافقين وبينه.
وهذا تكليف بما ليس فى الوسع قطعاً، فكيف ينكر التكليف بدخول النار فى رأْى العين إذا كانت سبباً كما قال أبو سعيد الخدرى هو أدق من الشعرة وأحدُّ من السيف" رواه مسلم، فركوب هذا الصراط الذى هو فى غاية المشقة كالنار، ولهذا كلاهما يفضى منه إلى النجاة والله أعلم.
الثامن: أن هذا استبعاد مجرد لا ترد بمثله الأحاديث والناس لهم طريقان: فمن سلك طريق المشيئة المجردة لم يمكنه أن يستبعد هذا التكليف، ومن سلك طريق الحكمة والتعليل لم يكن معه حجة تنفى أن يكون هذا التكليف موافقاً للحكم، بل الأدلة الصحيحة تدل على أن مقتضى الحكمة كما ذكرناه.
التاسع: أن فى أصح هذه الأحاديث وهو حديث الأسود أنهم يعطون ربهم المواثيق ليطيعنه فيما يأْمرهم به، فيأْمرهم أن يدخلوا نار الامتحان فيتركون الدخول معصية لأمره لا لعجزهم عنه. فكيف يقال أنه ليس فى الوسع.
فإن قيل: فالآخرة دار جزاءٍ، وليست دار تكليف، فكيف يمتحنون فى غير دار التكليف؟ فالجواب: أن التكليف إنما ينقطع بعد دخول دار القرار، وأما فى