{أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ} أيها المشركون أن الله تعالى لا ينالهم برحمة، فها هم فى الجنة يتمتعون ويتنعمون وفى رياضها يحبرون ثم يقال لأهل الأعراف: {ادْخُلُوا الْجنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} [الأعراف: 49] .

وقيل: إن أصحاب الأعراف إذا عيروا الكفار وأخبروهم أنهم لم يغن عنهم [جموعهم] واستكبارهم، عيرهم الكفار بتخلفهم عن الجنة، وأقسموا أن الله لا ينالهم برحمة، لما رأوا من تخلفهم عن الجنة، وأنهم يصيرون إلى النار، فتقول لهم الملائكة حينئذ: {أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمْ اللهُ بِرَحْمَةٍ، ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} [الأعراف: 49] ، والقولان قويان محتملان، والله أعلم.

فهؤلاء الطبقات هم أهل الجنة الذين لم تمسهم النار.

الطبقة الثالثة عشرة: طبقة أهل المحنة والبلية، نعوذ بالله. وإن كانت آخرتهم إلى عفو وخير، وهم قوم مسلمون خفت موازينهم ورجحت سيئاتهم على حسناتهم فغلبتها السيئات، فهذه الطبقة التى اختلفت فيها أَقاويل الناس وكثر فيها خوضهم وتشعبت مذاهبهم وتشتَتَتْ آرآوهم، فطائفة كفرتهم، وأوجبت لهم الخلود فى النار، وهذا مذهب أكثر الخوارج، بل يكفرون من هو أحسن حالاً منهم وهو مرتكب الكبيرة الذى لم يتب منها ولو استغرقتها حسناته. وطائفة أوجبت لهم الخلود فى النار ولم تطلق عليهم اسم الكفر، بل سموهم منافقين.

وهذا المذهب ينسب إلى البكرية أتباع بكر ابن أُخت عبد الواحد.

وطائفة نزلتهم منزلة بين منزلة الكفار والمؤمنين، فجعلوا أقسام الخلق ثلاثة: مؤمنين، وكفاراً، وقسماً لا مؤمنين ولا كفاراً بل بينهما، وأوجبت لهم الخلود فى النار، وهذا هو الرأى الذى عليه أهل الاعتزال، وهو أحد أُصولهم الخمسة التى هى قواعد مذهبهم وهى: التوحيد الذى مضمونه جحد صفات الخالق ونعوت كماله والتعطيل المحض، والعدل الذى مضمونه نفى عموم قدرة الله وأنه لا قدرة له على أفعال الحيوانات بل هى خارجة عن ملكه وخلقه وقدرته، وأنه يريد ما لا يكون ويكون ما لا يريد، فإنه لا يقدر أن يهدى ضالاً ولا أن يضل مهتدياً ولا يجعل المصلى مصلياً ولا الذاكر ذاكراً ولا الطائف طائقاً، تعالى الله عن إفكهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015