يدخلهم الجنة، وهى من جنس ما قبله فلا تناقض بينهما. وقيل: هم أصحاب الفترة وأطفال المشركين. وقيل: هم أُولو الفضل من المؤمنين علوا على الأعراف، فيطلعون على أهل النار وأهل الجنة جميعاً. وقيل: هم الملائكة لا من بنى آدم.

والثابت عن الصحابة هو القول الأول، وقد رويت فيه آثار كثيرة مرفوعة لا تكاد تثبت [أسانيدها] . وآثار الصحابة فى ذلك المعتمدة.

وقد اختلف فى تفسير الصحابى هل له حكم المرفوع، أو الموقوف؟ على قولين: الأول اختيار أبى عبد الله الحاكم، والثانى هو الصواب، ولا نقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نعلم أنه قاله. وقوله تعالى: {وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ} [الأعراف: 46] صريح فى أنهم من بنى آدم ليسوا من الملائكة. وقوله تعالى: {يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ} [الأعراف: 46] ، يعنى يعرفون الفريقين بسيماهم، {وَنَادوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلامٌ عَلَيْكُمْ} [الأعراف: 46] ، أى نادى أهل الأعراف أهل الجنة بالسلام. قوله تعالى: {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطمَعُونَ} الضميرات فى الجملتين لأصحاب الأعراف لم يدخلوا الجنة بعد وهم يطمعون فى دخولها.

قال أبو العالية: ما جعل الله ذلك الطمع فيهم إلا كرامة يريدها بهم، وقال الحسن: الذى [جعل] الطمع فى قلوبهم يوصلهم إلى ما يطمعون، وفى هذا رد على وقول من قال: إنهم أفاضل المؤمنين علوا على الأعراف يطالعون أحوال الفريقين، فعاد الصواب إلى تفسير الصحابة، وهم أعلم الأُمة بكتاب الله، ومراده منه.

ثم قال تعالى: {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} هذا دليل على [أنهم] بمكان مرتفع بين الجنة والنار، فإذا أشرفوا على أهل الجنة نادوهم بالسلام وطمعوا فى الدخول إليها، وإذا أشرفوا على أهل النار سألوا الله أن لا يجعلهم معهم، ثم قال تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونهُمْ بِسِيمَاهُمْ} يعنى من الكفار الذين فى النار، فقالوا لهم: {مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأعراف:48] يعنى ما نفعكم جمعكم وعشيرتكم وتجرؤكم على [أهل] الحق ولا استكباركم، وهذا إما نفى، وإما استفهام وتوبيخ، وهو أبلغ وأفخم.

ثم نظروا إلى الجنة فرأوا من الضعفاء الذين كان الكفار يسترذلونهم فى الدنيا ويزعمون أن الله لا يختصهم دونهم بفضله كما لم يختصهم دونهم فى الدنيا، فيقول لهم أهل الأعراف:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015