إخراجه، وإمساكه خير لك حتى لا تبقى مثل الفقير، فغناك خير لك من غناه.

فإذا صور له هذه الصورة أمره بالفحشاء وهى البخل الذى هو من أقبح الفواحش. وهذا إجماع من المفسرين أن الفحشاء هنا البخل، فهذا وعده وهذا أمره، وهو الكاذب فى وعده، الغارّ الفاجر فى أمره. [فالمستجيب] لدعوته مغرور مخدوع مغبون، فإنه يدلى من يدعوه بغروره، ثم يورده شر الموارد. كما قال:

دلاهم بغُرور ثم أوردهم ... إن الخبيث لمن والاه غرّار

هذا وإن وعده له الفقر ليس شفقة عليه ولا نصيحة له كما ينصح الرجل أخاه، ولا محبة فى بقائه غنياً، بل لا شيء أحب إليه من فقره وحاجته، وإنما وعده له بالفقر وأَمره إياه بالبخل ليسيء ظنه بربه ويترك ما يحبه من الإنفاق لوجهه فيستوجب منه الحرمان.

وأما الله سبحانه فإنه يعد عبده مغفرة منه لذنوبه، وفضلاً بأن يخلف عليه أكثر مما أنفق وأضعافه إما فى الدنيا أو فى الدنيا والآخرة، فهذا وعد الله وذاك وعد الشيطان فلينظر البخيل والمنفق أى الوعدين هو أوثق وإلى أيهما يطمئن قلبه وتسكن نفسه؟ والله يوفق من يشاءُ ويخذل من يشاءُ وهو الواسع العليم.

وتأمل كيف ختم هذه الآية بهذين الاسمين، فإنه واسع العطاء عليم بمن يستحق فضله ومن يستحق عدله، فيعطى هذا بفضله ويمنع هذا بعدله وهو بكل شيء عليم. فتأمل هذه الآيات ولا تستطل بسط الكلام فيها، فإن لها شأْناً لا يعقله إلا من عقل عن الله خطابه وفهم مراده: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43] .

وتأمل ختم هذه السورة التى هى سنام القرآن بأحكام الأموال وأَقسام الأغنياء وأحوالهم، وكيف قسمهم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: محسن وهم "المتصدقون"، فذكر جزاءَهم ومضاعفته وما لهم فى قرض أموالهم للمليء الوفى، ثم حذرهم مما يبطل ثواب صدقاتهم ويحرقها بعد استوائها وكمالها من المن والأذى، وحذرهم مما يمنع ترتب أثرها عليها ابتداءً من الرياءِ، ثم أمرهم أن يتقربوا إليه بأَطيبها ولا يتيمموا أَردأَها وخبيثها، ثم حذرهم من الاستجابة لداعى البخل والفحش وأخبر أن استجابتهم لدعوته وثقتهم بوعده أولى بهم، وأخبر أن هذا من حكمته التى يؤتيها من يشاءُ من عباده، وأن من أُوتيها فقد أُوتى خيراً كثيراً: أُوتى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015