يَمْلِكُ السَّمْعُ وَالأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَى مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَى وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرُ؟ فَسَيَقُولُونَ الله، فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ، فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس: 31- 32] ، [فمن] عبد غير الله فما عبد إلا الضلال المحض والباطل البحت، وأما من عبد الله بأَمره وكان فى مقام التمييز بين محابه ومساخطه مفرقاً بينهما يحب هذا ويبغض هذا ناظراً بقلبه إلى ربه عاكفاً بهمته عليه منفذاً لأوامره فهو مع الحق المحض. والله أعلم.
فصل
قال: وشوقهم هزمهم من رسمهم وسماتهم استعجالاً للوصول إلى غاية المنى: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84] ، قد تقدم الكلام فى الشوق مستوفى وليس الهرب من الغير والضد هو الشوق، بل هنا مهروب منه ومهروب إليه، فالشوق هو سفر القلب نحو المحبوب، وهذا لا يتم إلا بالهرب من ضده، فليس الشوق هو نفس الهرب من الرسوم والسمات.
فصل
قال: "والإرادة والزهد والتوكل والصبر والحزن والخوف والرجاءُ، والشكر والمحبة والشوق من منازل أَهل الشرع السائرين إلى عين الحقيقة، فإذا شاهدوا عين الحقيقة اضمحلت فيها أحوال الشاهدين حتى يفنى ما لم يكن، ويبقى ما لم يزل".
قلت: الحقائق التى أشار إليها على لسان أهل السلوك ثلاث: "حقيقة إيمانية نبوية"، وهى حقيقة العبودية التى هى كمال الحب وكمال الذل، وسير أهل الاستقامة إنما هو إلى هذه الحقيقة ومنازل السير التى ينزلون فيها هى منازل الإيمان الموصلة إليها والمنحرفون لا يرضون بهذه الحقيقة ولا يقفون معها ويرونها منزلة من منازل العامة،
الحقيقة الثانية: "حقيقة كونية قدرية" يشاهدون فيها انفراد الرب [تعالى] بالتكوين والإيجاد وحده، وأن العالم كالميت يقلبه ويصرفه كيف يشاءُ، وهم يعظمون هذا المشهد ويروون الفناءَ فيه غاية ما بعدها شيء.
وهذا من أغلاطهم فى المعرفة والسلوك، فإن هذا المشهد لا يدخل صاحبه فى الإيمان فضلاً عن أن يكون أفضل مشاهد أولياءِ الله المقربين، فإن عباد الأصنام شهدوا هذا المشهد ولم ينفعهم وحده، قال تعالى: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ للهِ، قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ