منكرون لحقيقة إلهيته ولخلة الخليلين [صلى الله عليه وسلم] ولفطرة الله التى فطر الله عباده عليها، ولو رجعوا إلى قلوبهم لوجدوا حبه فيها، ووجدوا معتقدهم [وبحثهم] يكذب فطرهم، وإنما بعثت الرسل بتكميل هذه الفطرة وإعادة ما فسد منها إلى الحالة الأوُلى التى فطرت عليها، وإنما دعوا إلى القيام بحقوقها ومراعاتها لئلا تفسد وتنتقل عما خلقت له.

وهل الأوامر والنواهى إلا خدم وتوابع ومكملات ومصلحات لهذه الفطرة؟ وهل خلق الله سبحانه وتعالى خلقه إلا لعبادته التى هى غاية محبته والذل له؟ وهل هييء الإنسان إلا لها؟ كما قيل:

قد هيئوك لأمر لو فطنت له ... فاربأْ بنفسك أَن ترعى مع الهمل

وهل فى الوجود محبة حق غير باطلة إلا محبته سبحانه؟ فإن كل محبة متعلقة بغيره فباطلة زائلة ببطلان متعلقها، وأما محبته سبحانه فهو الحق الذى لا يزول ولا يبطل، كما لا يزول متعلقها ولا يفنى. وكل ما سوى الله باطل، ومحبة الباطل باطل.

فسبحان الله كيف ينكر المحبة الحق التى لا محبة أحق منها، ويعترف بوجود المحبة الباطلة المتلاشية؟ وهل تعلقت المحبة بوجود محدث إلا الكمال فى وجوده بالنسبة إلى غيره؟ وهل ذلك الكمال إِلا من آثار صنع الله الذى أتقن كل شيء؟ وهل الكمال كله إلا له" فكل من أحب شيئاً لكمال ما يدعوه إلى محبته فهو دليل وعبرة على محبة الله، وأنه أولى بكمال الحب من كل شيء. ولكن إذا كانت النفوس صغاراً كانت محبوباتها على قدرها، وأما النفوس الكبار الشريفة فإنها تبذل حبها لأجلّ الأشياء وأشرفها.

والمقصود أن العبد إذا اعتبر كل كمال فى الوجود وجده من آثار كماله سبحانه، فهو دال على كمال مبدعه، كما أن كل علم فى الوجود فمن آثار علمه، وكل قدرة فمن آثار قدرته، ونسبة الكمالات الموجودة فى العالم العلوى والسفلى إلى كماله كنسبة علوم الخلق وقدرهم وقواهم وحياتهم إلى علمه سبحانه وقدرته وقوته وحياته، فإذن لا نسبة أصلاً بين كمالات العالم وكمال الله [جل جلاله] ، فيجب أن لا يكون بين محبته ومحبة غيره من الموجودات له، بل يكون حب العبد له أعظم من حبه لكل شيء بما لا نسبة بينهما، ولهذا قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبَّاً للهِ} [البقرة: 165] ، فالمؤمنون أشد حباً لربهم ومعبودهم [تعالى] من كل محب لكل محبوب. هذا مقتضى عقد الإيمان الذى لا يتم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015