..

...

[وظمأ] .فإذا انضم داعى الإحسان والإنعام إلى داعى الكمال والجمال لم يتخلف عن محبة من هذا شأنه إلا أردأ القلوب وأخبثها وأشدها نقصاً وأبعدها من كل خير، فإن الله فطر القلوب على محبة المحسن الكامل فى أوصافه وأخلاقه، وإذا كانت هذه فطرة الله التى فطر عليها قلوب عباده، فمن المعلوم أنه لا أحد أعظم إحساناً منه سبحانه وتعالى ولا شيء أكمل منه ولا أجمل، فكل كمال وجمال فى المخلوق من آثار صنعه سبحانه وتعالى، وهو الذى لا يجد كماله، ولا يوصف جلاله وجماله، ولا يحصى أحد من خلقه ثناءً عليه بجميل صفاته وعظيم إحسانه وبديع أفعاله، بل هو كما أثنى على نفسه.

وإذا كان الكمال محبوباً لذاته ونفسه وجب أن يكون الله هو المحبوب لذاته وصفاته، إذ لا شيء أكمل منه، وكل اسم من أسمائه وصفة من صفاته [تستدعى محبه خاصة فإن اسمائه كلها حسنى وهى مشتقة من صفاته] ، وأفعاله دالة عليها [فهو المحبوب المحمود لذاته وصفاته وأفعاله وأسمائه] .

فهو المحبوب المحمود على كل ما فعل وعلى كل أمر، إذ ليس فى أفعاله عبث ولا فى أوامره سفه، بل أفعاله كلها لا تخرج عن الحكمة والمصلحة والعدل والفضل والرحمة، وكل واحد من ذلك يستوجب الحمد والثناءَ والمحبة عليه، وكلامه كله صدق وعدل، وجزاؤه كله فضل وعدل: فإنه إن أعطى فبفضله ورحمته ونعمته، وإن منع أو عاقب فبعدله وحكمته:

ما للعباد عليه حق واجب ... كلا ولا سعى لديه ضائع

إن عذبوا فبعدله، أو نعموا ... فبفضله، وهو الكريم الواسع

فصل

ولا يتصور نشر هذا المقام حق تصوره فضلاً عن أن يوفاه حقه، فأعرف خلقه به وأحبهم له صلى الله عليه وسلم يقول: "لا أُحصى ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك"، ولو شهد بقلبه صفة واحدة من أوصاف كماله لاستدعت منه المحبة التامة عليها، وهل مع المحبين محبة إلا من آثار صفات كماله فإنهم لم يروه فى هذه الدار، وإنما وصل إليهم العلم بآثار صفاته وآثار صنعه، فاستدلوا بما علموه على ما غاب، فلو شاهدوه ورأوا جلاله وجماله وكماله سبحانه وتعالى لكان لهم فى حبه شأْن آخر، وإنما تفاوتت منازلهم ومراتبهم فى محبته على حسب تفاوت مراتبهم فى معرفته والعلم به. فأعرفهم بالله أشدهم حباً له، ولهذا كانت رسله أعظم الناس حباً له [من غيره] والخليلان من بينهم أعظمهم حباً، وأعرف الأُمة به أشدهم له حباً، ولهذا كان المنكرون لحبه من أجهل الخلق به، فإنهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015