إلا به. وليست هذه المسألة من المسائل التى للعبد عنها غنى أو منها بد، كدقائق العلم والمسائل التى يختص بها بعض الناس دون بعض، بل هذه مسألة تفرض على العبد، وهى أصل عقد الإيمان الذى لا يدخل فيه الداخل إلا بها ولا فلاح للعبد ولا نجاة له من عذاب الله إلا بها، فليشتغل بها العبد أو ليعرض عنها، ومن لم يتحقق بها علماً وحالاً وعملاً لم يتحقق بشهادة أن لا إِله إلا الله، فإنها سرها وحقيقتها ومعناها، وإن أبى ذلك الجاحدون وقصر عن علمه الجاهلون.

فإن الإِله هو المحبوب المعبود الذى تؤلهه القلوب بحبها وتخضع له وتذل له وتخافه وترجوه وتنيب إليه فى شدائدها وتدعوه فى مهماتها وتتوكل عليه فى مصالحها وتلجأ إليه وتطمئن بذكره وتسكن إلى حبه وليس ذلك إلا الله وحده، ولهذا كانت [لا إله إلا الله] أصدق الكلام، وكان أهلها أهل الله وحزبه، والمنكرون لها أعداؤه، وأهل غضبه ونقمته.

فهذه المسألة قطب رحى الدين الذى عليه مداره، وإذا صحت صح بها كل مسألة وحال وذوق، وإذا لم يصححها العبد فالفساد لازم له فى علومه وأعماله، وأحواله وأقواله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فلنرجع إلى شرح كلامه فقوله: "وأما محبة العوام فهى محبة تنبت من مطالعة المنة" يعنى أن لهذه المحبة منشأ وثبوتاً ونمواً. [فمنشأها] الإحسان ورؤية فضل الله ومنته على عبده، وثبوتها باتباع أوامره التى شرعها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونموها وزيادتها يكون بإجابة العبد لدواعى فقره وفاقته إلى ربه، فكلما دعاه فقره وفاقته إلى ربه أجاب هذا الداعى وهو فقير بالذات فلا يزال فقره يدعوه إليه، فإن دامت استجابته له بدوام الداعى لم تزل المحبة تنمو وتتزايد، فكلما أخطر الرّب فى قلبه خواطر الفقر والفاقة بادر قلبه بالإجابة والانكسار بين يديه ذلاً وفاقة وحباً وخضوعاً، وإنما كانت هذه محبة العوام عنده لأن منشأها من الأفعال، لا من الصفات والجمال، ولو قطع الإحسان عن هذه القلوب لتغيرت وذهبت محبتها أو ضعفت، فإن باعثها إنما هو الإحسان، ومن ودَّك لأمر ولى عند انقضائه، فهو برؤية الإحسان مشغول، وبتوالى النعم عليه محمول.

قوله: "وهى محبة تقطع الوسواس، وتلذذ الخدمة، وتسلى على المصائب، وهى فى طريق العوام عمدة للإيمان". إنما كانت هذه المحبة قاطعة للوسواس لإحضار المحب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015