فالعبد له والمال له والثواب منه، فهو المعطى أولاً وآخراً فكيف لا يحب من هذا شأْنه؟ وكيف لا يستحى العبد أن يصرف شيئاً من محبته إلى غيره؟ ومن أولى بالحمد والثناءِ والمحبة منه؟ ومن أولى بالكرم والجود والإحسان منه؟ فسبحانه وبحمده لا إله إلا هو العزيز الحكيم ويفرح سبحانه وتعالى بتوبة أحدهم إذا تاب إليه أعظم فرح وأكمله، ويكفر عنه ذنوبه، ويوجب له محبته بالتوبة، وهو الذى ألهمه إياها ووفقه لها وأعانه عليها، وملأ سبحانه وتعالى سماواته من ملائكته، واستعملهم فى الاستغفار لأهل الأرض واستعمل حملة العرش منهم فى الدعاءِ لعباده المؤمنين والاستغفار لذنوبهم ووقايتهم عذاب الجحيم، والشفاعة إليه بإذنه أن يدخلهم جناته.
فانظر إلى هذه العناية وهذا الإحسان وهذا التحنن والعطف والتحبب إلى العباد واللطف التام بهم، ومع هذا كله بعد أن أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه وتعرف إليهم بأسمائه وصفاته وآلائه، ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا يسأل عنهم ويستعرض حوائجهم بنفسه ويدعوهم إلى سؤاله، فيدعو مسيئهم إلى التوبة ومريضهم إلى أن يسأله أن يشفيه وفقيرهم إلى أن يسأله غناه وذا حاجتهم يسأله قضاءَها كل ليلة، ويدعوهم إلى التوبة وقد حاربوه وعذبوا أولياءَه وأحرقوهم بالنار. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج: 10] .
وقال بعض السلف: انظروا إلى كرمه كيف عذبوا أولياءه وحرقوهم بالنار، ثم هو يدعوهم إلى التوبة. فهذا الباب يدخل منه كل أحد إلى محبته سبحانه وتعالى، فإن نعمته على عباده مشهودة لهم، يتقلبون فيها على عدد الأنفاس واللحظات.
وقد روى فى بعض الأحاديث مرفوعاً: "أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبونى بحب الله"، فهذه محبة تنشأْ من مطالعة المنن [والإحسان] ورؤية النعم والآلاء، وكلما سافر القلب [بفكره] فيها ازدادت محبته وتأكدت، ولا نهاية لها فيقف سفر القلب عندها، بل كلما ازداد فيها نظراً ازداد فيها اعتباراً وعجزاً عن ضبط القليل منها، فيستدل بما عرفه على ما لم يعرفه، والله سبحانه وتعالى دعا عباده إليه من هذا الباب، حتى إدا دخلوا منه دعوا من الباب الآخر وهو باب الأسماءِ والصفات الذى إنما يدخل منه إليه خواص عباده وأوليائه، وهو باب المحبين حقاً الذى لا يدخل منه غيرهم، ولا يشبع من معرفته أحد منهم، بل كلما بدا له منه علم ازداد شوقاً ومحبة