مِنكُمْ مَلائِكَةً فِى الأَرْضِ يَخْلُفُونَ} [الزخرف: 60] ، على أحد القولين، أى عوضكم وبدلكم، واستشدوا على ذلك بقول الشاعر:
جارية لم تأْكل المرقَّقا ... ولم تذق من البقول الفستقا
أى لم تأكل الفستق بدل البقول، وعلى كلا القولين فهو سبحانه منعم عليهم بكلاءَتهم وحفظهم وحراستهم مما يؤذيهم بالليل والنهار وحده، لا حافظ لهم غيره. هذا مع غناه التام عنهم وفقرهم التام إليه من كل وجه، وفى بعض الآثار يقول تعالى: "أنا الجواد، ومن أعظم منى جوداً وكرماً؟ أبيت أكلأُ عبادى فى مضاجعهم وهم يبارزوننى بالعظائم".
وفى الترمذى أن النبى صلى الله عليه وسلم لما رأى السحاب قال: "هذه روايا الأرض يسوقها الله إلى قوم لا يذكرونه، ولا يعبدونه".
وفى الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم ليجعلون له الولد، وهو يرزقهم ويعافيهم".
وفى بعض الآثار: "يقول الله: ابن آدم، خيرى إليك نازل، وشرك إلى صاعد، كم أتحبب إليك بالنعم، وأنا غنى عنك، وكم تتبغض إلى بالمعاصى، وأنت فقير إلى، وإلا يزال الملك الكريم يعرج إلى منك بعمل قبيح"
ولو لم يكن من تحببه إلى عباده وإحسانه إليهم وبره بهم إلا أنه [سبحانه] خلق لهم ما فى السموات والأرض وما فى الدنيا والآخرة، ثم أهلهم وكرمهم، وأرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه وشرع لهم شرائعه، وأذن لهم فى مناجاته كل وقت أرادوا وكتب لهم بكل حسنة يعملونها عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وكتب لهم بالسيئة واحدة، فإن تابوا منها محاها وأَثبت مكانها حسنة، وإذا بلغت ذنوب أحدهم عَنان السماءِ ثم استغفره غفر له، لو لقيه بقراب، الأرض خطايا ثم لقيه بالتوحيد لا يشرك به شيئاً لأَتاه بقرابها، مغفرة وشرع لهم التوبة الهادمة للذنوب فوفقهم لفعلها ثم قبلها منهم وشرع لهم الحج الذى يهدم ما قبله فوفقهم لفعله وكفر عنهم سيئاتهم به، وكذلك ما شرعه لهم من الطاعات والقربات وهو الذى أمرهم بها وخلقها لهم وأعطاهم إياها ورتب عليها جزاءَها، فمنه السبب ومنه الجزاءُ، ومنه التوفيق ومنه العطاءُ أولاً وآخراً.
وهم محل إحسانه كله منه [ليس منهم شيئاً إنما الفضل كله والنعمة كلها والإحسان كله] أولاً وآخراً: أعطى عبده [ماله] وقال: تقرّب بهذا إلى أقبله منك،