كانت المحبة من الطرفين فهناك العجب والمناجاة والملاطفة والإشارة والعتاب والشكوى، وهما ساكنان لا يدرى جليسهما بشأْنهما [فعجيب شأنهما] .
فصل فى محبة العوام:
قال: "وأما محبة العوام فهى محبة تنبت من [مطالعة] المنة وتثبت باتباع السنة، وتنمو على الإجابة للغاية، وهى محبة تقطع الوسواس، وتلذذ الخدمة، وتسلى عن المصائب، وهى [فى] طريق العوام عمدة الإيمان". فيقال: لا ريب أن المحبة درجات متفاوتة، بعضها أكمل من بعض. وكل درجة خاصة بالنسبة إلى ما تحتها، عامة بالنسبة إلى ما فوقها، فليس انقسامها إلى خاص وعام انقساماً حقيقياً متميزاً بالنسبة بفصل يميز أحد النوعين عن الآخر، وإنما تنقسم باعتبار الباعث عليها وسببها، وتنقسم بذلك إلى قسمين:
أحدهما: محبة تنشأُ من الإحسان، ومطالعة الآلاء والنعم، فإن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليه، ولا أحد أعظم إحساناً من الله سبحانه، فإن إحسانه على عبده فى كل نفس ولحظة، وهو يتقلب فى إحسانه فى جميع أحواله، ولا سبيل له إلى ضبط أجناس هذا الإحسان فضلاً عن أنواعه أو عن أفراده، ويكفى أن من بعض أنواعه نعمة النفس التى لا تكاد تخطر ببال العبد، وله عليه فى كل يوم وليلة فيه أربعة وعشرون ألف نعمة، فإنه يتنفس فى اليوم والليلة أربعة وعشرون ألف نفس، وكل نفس نعمة منه سبحانه، فإذا كان أدنى نعمة عليه فى كل يوم أربعة وعشرين ألف نعمة فما الظن بما فوق ذلك وأعظم منه: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34] [النحل: 18] ، هذا إلى ما يصرف عنه من المضرات وأنواع الأذى التى تقصده، ولعلها توازن النعم فى الكثرة، والعبد لا شعور به بأكثرها أصلاً، والله سبحانه يكلؤه منها بالليل والنهار كما قال تعالى: {قُلْ مَن يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} [الأنبياء:42] ، وسواء كان المعنى من يكلؤكم ويحفظكم منه إذا أراد بكم سوءاً ويكون يكلؤكم مضمناً معنى يجيركم وينجيكم من بأْسه، أو كانت "من" البدلية أى من يكلؤكم بدل الرحمن [سبحانه] أى هو الذى يكلؤكم وحده لا كاليء لكم غيره، ونظير "من" هذه قوله: {وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا