تشير فأَدرى ما تقول بطرفها ... وأُطرق طرفى عند ذاك فتعلم

تكلم منا فى الوجوه عيوننا ... فنحن سكوت والهوى يتكلم

قلت: كل معنى فله صيغة تعبر به عنه، ولا سيما إذا كانت من المعانى المعروفة للخاص والعام. ولكن العبارة قد تكون كاشفة للمعنى مطابقة له، كلفظ الدراهم والخبز والماء واللبن ونحوها، وهى أكبر الألفاظ.

وقد يكون المعنى فوق ما يشير إليه اللفظ ويعبر عنه، وهو أجل من أن يدل لفظه على كمال ماهيته وهذا كأسماءِ الرب سبحانه وأسماء كتابه.

وكذلك اسم الحب فإنه لا يكشف اسمه مسماه، بل مسماه فوق لفظه، وكذلك اسم الشوق والعشق والموت والبلاءِ ونحوها. وقد يكون المعنى دون اللفظ بكثير، واللفظ أجل منه وأعظم.

وهذا كلفظ الجوهر الفرد الذى هو عبارة عن أَقل شيء وأصغره وأدقه وأحقره، فليس معناه على قدر لفظه، وإذا عرف هذا فقولهم: "ليس للمحبة صيغة يعبر بها عن حقيقتها" المراد به أن لفظها لا يفهم حقيقة معناها ومعناها فوق ما يفهم من لفظها.

وقوله: "الغيرة من أوصاف المحبة، وهى تأْبى إلا التستر والاختفاءَ" هذا كلام فى حكم المحبة ومقتضاها، لا فى حقيقتها ومعناها، والمحبون متباينون فى هذا الحكم، فمنهم من يجعل الغيرة من لوازم المحبة وعلامة ثبوتها وتمكنها ويجعل نداءَ المرءِ عليها وبسط لسانه بالإخبار بها دليلاً على أنه دعى فيها، وأن ما معه منها رائحتها لا حقيقتها، وحقيقتها تأْبى إلا التستر والكتمان. وهذه طريقة الملاميين، كما قيل:

لا تنكرى جحدى هواك، فإنما ... ذاك الجحود عليه ستر مسبل

ولهذا قيل: المحبة كتمان الإرادة، وإظهار الموافقة. وهذه الطائفة رأت أن كمال المحبة بكتمانها لأسباب عديدة:

أحدها: أن الحب كلما كان مكتوماً كان أشد وأعظم سرياناً وسكوناً فى أجزاءِ القلب كلها، كما قيل: الحب أَقتله أكتمه فإذا أفشاه المحب وأظهره وباح به ونادى عليه ضعف أثره وصار عرضة للزوال.

الثانى: أن الحب كنز من الكنوز، بل هو أعظم الكنوز المودعة فى سر العبد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015