وقلبه، فلا طريق للصوص إليه، فإذا باح به ونادى عليه فقد دل قطاع الطريق واللصوص على موضع كنزه، وعرضه لسلبه منه، فإن النفوس غيارة مغيرة، تغار على المحبوب أن يشاركها فى حبه أحد. فإذا غارت عليه أغارت على القلوب التى فيها حبه فانتزعته منه.
وهذه الآفة قد ابتلى بها كثير من السالكين الذين هم فى الحقيقة قطاع الطريق على السالكين إلى الله، وسولت لهم أنفسهم أن هذه غيرة منهم على محبوبهم أن يجب مثل هذه النفوس المتلوثة بالدنيا، وغرتهم أنفسهم ومنتهم أنهم يغارون على الله [ويحولون بين تلك النفوس وبين محبته فغاروا وأغاروا ونهبوا واستلبوا وهذه الطريقة عند المحبين المخلصين أولياء الله الداعين إلى الله] عداوة لله فى الحقيقة ومعاونة للشيطان، وقعود على طريق الله المستقيم الذى خلق عباده لأجله وأمرهم به.
فالحذر من هؤلاء القطاع اللصوص حمل أهل المحبة على المبالغة فى كتمانها، وإظهار التخلى منها بأسباب يلامون عليها ظاهراً وقلوبهم مغمورة بالمحبة مأْهولة بها.
وهذا الذى ظنوه غيرة هو من تلبيس الشيطان وخدعه لهم ومكره بهم، وإنما [هو حسد حملهم على أن يردوه وصالوا به وسموه غيرة] ، وإنما غيرة المحبين لله أن يغار أحدهم لمحارم الله إذا انتهكت، فيغار لله لا على الله، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: "إن الله يغار، وإن المؤمن يغار وغيرة الله أن يأْتى العبد ما حرم عليه"، فغيرة المحب هى الموافقة لغيرة محبوبه، وهى أن يغار مما يغار منه المحبوب [وأما] ، وإذا كان المحبوب ممن يحبه وهذا يغار ممن يحبه الله فهو فى الحقيقة ساع فى خلاف مراد محبوبه، وفى إعدام ما يحبه محبوبه، فأَين هذا من الغيرة المحبوبة لله؟ وإنما هذه غيرة من أخيه المسلم كيف خصه الله بعطائه وألبسه ثوب نعمائه، فهى غيرة منه لا غيرة على الله، فإن الله لا يغار عليه بل يغار له. وسنفرد إن شاءَ الله للغيرة فصلاً نذكر فيه أقسامها وحقيقتها.
الثالث: أن المحبة التامة تستدعى شغل القلب بالمحبوب وعدم تفرغه للشرح والوصف، فلو صدقت محبته لاستغرق فيها عن شرح حاله ووصفه، فهذه طريقة هولاء، ومنهم من يجعل تهتكه وبوحه بها وإعلامه لها من تمامها وقوتها، ومن علامات قهرها له وأنها غلبت على سره حتى لم يطق صبره كتمانها، كما قال النووى: المحبة هتك