كان مشغولاً بغيره فى حال حياته وصحته فيعسر عليه اشتغاله بالله وحضوره معه عند الموت ما لم تدركه عناية من ربه، ولأجل هذا كان جديراً بالعاقل أن يلزم قلبه ولسانه ذكر الله حيثما كان لأَجل تلك اللحظة التى إن فاتت شقى شقاوة الأبد. فنسأَل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
فصل
وقد قيل فى المحبة حدود كثيرة غير ما ذكره أبو العباس، فقيل: المحبة ميل القلب إلى محبوبه. وهذا الحد لا يعطى تصور حقيقة المحبة. فإن المحبة أَعرف عند القلب من الميل. وأيضاً فإن الميل لا يدل على حقيقة المحبة.
فإنها أخص من مجرد ميل القلب، إذ قد يميل قلب العبد إلى الشيء ولا يكون محباً له لمعرفته بمضرته له، فإن سمى هذا الميل محبة فهو اختلاف عبارة. وقيل: المحبة علم المحب بجمال المحبوب ومحاسنه. وهذا حد قاصر، فإن العلم بجماله ومحاسنه هو السبب الداعى إلى محبته، فعبر عن المحبة بسببها. وقيل: المحبة تعلق القلب بالمحبوب. وقيل: انصباب القلب إلى المحبوب. وقيل: سكون القلب إليه. وقيل: اشتغال القلب بالمحبوب، بحيث لا يتفرغ قلبه لغيره. وقيل: المحبة بذل المجهود فى معرفة محبوبك، وبذل المجهود فى مرضاته. وقيل: هيجان القلب عند ذكر المحبوب، وقيل: شجرة تنبت فى القلب تسقى بماء [الموافقة] ، وإيثار رضى المحبوب. وقيل: المحبة حفظ الحدود، فليس بصادق من ادعى محبة الله ولم يحفظ حدوده. وقيل: المحبة إرادة لا تنقص بالجفاءِ ولا تزيد بالبر [وقيل: فطام والجوارح عن إستعمالها فى غير مرضاة المحبوب] وقيل: المحبة هى السخاءُ بالنفس للمحبوب وقيل: المحبة أن لا يزال عليك رقيب من المحبوب لا يمكنك من الانصراف عنه أبداً. وأنشد فى ذلك:
أبت غلبات الشوق إلا تقرباً ... إِليك، ويأْبى العذل إلا تجنباً
وما كان صدى عنك صد ملامة ... ولا ذلك الإعراض إلا تقربا
وما كان ذاك العذل إلا نصيحة ... ولا ذلك الإغضاءُ إلا تهيباً
على رقيب منك حل بمهجتى ... إذا رمت تسهيلاً على تصعباً
وقيل: المحبة سقوط كل محبة من القلب سوى محبة حبيبك، وقيل: المحبة صدق المجاهدة فى أوامر الله، وتجريد المتابعة لسنة رسول الله؟ صلى الله عليه وسلم. وقيل: المحبة أن