يعنى أن متابعة الرسول هى موافقة حبيبكم، [فإنه] المبلغ عنه ما يحبه وما يكرهه [وهى قوله] [فمتابعته موافقة لله فى فعل ما يحب وترك ما يكره] .
وقال مالك فى هذه الآية: من أحب طاعة الله أحبه الله وحببه إلى خلقه وإنما كانت موافقة المحبوب دليلاً على محبته لأن من أحب حبيباً فلا بد أن يحب ما يحبه ويبغض ما يبغضه، وإلا لم يكن محباً له محبة صادقة، بل تخلف ذلك عنه وإلا لم يكن [محباً] له، بل يكون محباً لمراده [أحبه محبوبه أم كرهه ومحبوبه عنده وسيلة إلى ذلك المراد] فلو حصل له حظه من غيره ترحل عوضه. فهذه المحبة المدخولة الفاسدة، وإذا كانت المحبة الصحيحة تستدعى حب ما يحبه المحبوب وبغض ما يبغضه فلا بد أن يوافقه فيه.
ولكن هاهنا مسألة يغلط فيها كثير من المدعين للمحبة، وهى أن موافقة المحبوب فى مراده ليس المعنى بها مراده الخلقى الكونى، فإن كل الكون مراده، وكل ما يفعله الخلائق فهو موجب مشيئته وإرادته الكونية، فلو كانت موافقته فى هذا المراد هى محبته لم يكن له عدو أصلاً، وكانت الشياطين والكفار والمشركون عباد الأوثان والشمس والقمر أولياءَه وأحبابه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
وإنما يظن ذلك من يظنه من أعدائه الجاحدين لمحبته ودينه، الذين يسوون بين أوليائه وأعدائه. قال الله تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفسِدِينَ فِى الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّار} [ص: 28] ، وقال الله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيئَاتِ أَنْ نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ، سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21] ، وقال الله تعالى: {أَفَنَجْعَلَ المُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 35- 36] [فأنكر سبحانه على من سوى بين المسلمين والمجرمين] ، وبين المطيعين والمفسدين مع أن الكل تحت المراد الكونى والمشيئة العامة.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية [قدس الله روحه] يقول: قال لى بعض شيوخ هؤلاءِ المحبة نار تحرق من القلب ما سوى مراد المحبوب، والكون كله مراده، فأى شيء أبغض منه"، قال: فقلت له: فإذا كان المحبوب قد أبغض بعض ما فى الكون، فأبغض قوماً ومقتهم ولعنهم وعاداهم فأحببتهم أنت وواليتهم، تكون موالياً للمحبوب موافقاً له، أو مخالفاً له معادياً له؟ قال: فكأنما أُلقم حجراً. ويبلغ الجهل والكفر ببعض هؤلاءِ إلى حد بحيث إذا فعل محظوراً يزعم أنه مطيع لله سبحانه وتعالى، ويقول