يتخلص له رؤيتها وعيانها، الثانى أن تكون القريحة وقادة دراكة، لكن النفس ضعيفة مهينة إذا أبصرت الحق والرشد ضعفت عن إيثاره، فصاحبها يسوقها سوق العليل المريض، كلما ساقه خطوة وقف خطوة، أو كسوق الطفل الصغير الذى تعلقت نفسه بشهواته ومأْلوفاته، فهو يسوقه إلى رشده وهو ملتفت إلى لهوه ولعبه لا ينساق معه إلا كرهاً. فإذا رزق العبد قريحة وقادة، وطبيعة منقادة: إذا زجرها انزجرت وإذا قادها انقادت بسهولة وسرعة ولين، [وأُيد] مع ذلك بعلم نافع وإيمان راسخ، أقبلت إليه وفود السعادة من كل جانب.

ولما كانت هذه القرائح والطبائع ثابتة للصحابة رضى الله عنهم، وكملها الله لهم بنور الإسلام وقوة اليقين ومباشرة الإيمان لقلوبهم، كانوا أفضل العالمين بعد الأنبياء والمرسلين وكان من بعدهم لو أنفق مثل جبل أُحد ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه.

ومن تصور هذا الموضع حق تصوره علم من أين يلزمه النقص والتأخر، ومن أين يتقدم [ويتأخر] ويترقى فى درجات السعادة وبالله التوفيق. والله أعلم.

فصل

[عود لمعرفة حدود المحبة]

قال: "وقيل: المحبة موافقة المحبوب فيما ساءَ وسر، ونفع وضر، كما قيل:

وأَهنتنى فأَهنتُ نفسى صاغراً ... ما من يهون عليك ممن أُكرم

فيقال: وهذا الحد أيضاً [من] جنس ما قبله، فإن موافقة المحبوب من موجبات المحبة وثمراتها، وليست نفس المحبة، بل المحبة تستدعى الموافقة، وكلما كانت المحبة أقوى كانت الموافقة أتم، قال الله تعالى: {قُل إِن كنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللهُ} [آل عمران: 31] ، قال الحسن: قال قوم على عهد النبى صلى الله عليه وسلم: إنا نحب ربنا، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {قُل إِن كنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللهُ} [آل عمران: 31] ، وقال الجنيد: ادَّعى قوم محبة الله فأنزل الله آية المحبة: {قُل إِن كنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللهُ} [آل عمران: 31] ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015