علماً وعملاً وحالاً وتكون أهم الأشياء عنده، وأجل علومه وأعماله.
فإن الشأن كله فيها والمدار عليها والسؤال يوم القيامة عنها، قال تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92- 93] ، قال غير واحد من السلف: هو عن قول: "لا إله إلا الله"، وهذا حق.
فإن السؤال كله عنها وعن أحكامها وحقوقها وواجباتها ولوازمها، فلا يسأل أحد قط إلا عنها وعن واجباتها ولوازمها وحقوقها، قال أبو العالية: كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ فالسؤال عمّاذا كانوا يعبدون هو السؤال عنها نفسها، والسؤال عمَّاذا أجابوا المرسلين سؤال عن الوسيلة والطريق المؤدية إليها: هل سلكوها وأجابوا الرسل لما دعوهم إليها، فعاد الأمر كله إليها.
وأمر هذا شأْنه حقيق بأن تنعقد عليه الخناصر، ويعض عليه بالنواجذ، ويقبض فيه على الجمر ولا يؤخذ بأطراف الأنامل، ولا يطلب على فضله، بل يجعل هو المطلب الأعظم وما سواه إنما يطلب على الفضلة. والله الموفق لا إله غيره ولا رب سواه.
فصل
قال: "وقيل: المحبة إيثار المحبوب على غيره" وهذا الحد أيضاً من جنس ما قبله، فإن إيثار المحبوب على غيره موجب المحبة ومقتضاها، فإذا استقرت المحبة فى القلب استدعت من المحب إيثار محبوبه على غيره، وهذا الإيثار علامة ثبوتها وصحتها، فإذا آثر غير المحبوب عليه لم يكن محباً له، وإن زعم أنه محب فإنما هو محب لنفسه ولحظه ممن يحبه، فإذا رأى حظاً آخر هو أحب إليه من حظه الذى يريده من محبوبه آثر ذلك الحظ المحبوب إليه.
فهذا موضع يغلط فيه الناس كثيراً إذ أكثرهم إنما هو يحب لحظِّه ومراده، فإذا علم أنه عند غيره أحب ذلك الغير حب الوسائل لا حباً له لذاته، ويظهر هذا عند حالتين:
إحداهما: أنه يرى حظاً له آخر عند غيره فيؤثر ذلك الحظ ويترك محبوبه.
الثانية: أنه إذا نال ذلك الحظ من محبوبه فترت محبته وسكن قلبه وترحل قاطن المحبة من قلبه، كما قيل: من ودَّك لأمر ولَّى عند انقضائه. فهذه محبة مشوبة بالعلل.
بل المحبة الخالصة أن يحب المحبوب لكماله، وأنه أهل أن يحب لذاته وصفاته. وأن الذى يوجب هذه المحبة فناءُ العبد عن إرادته لمراد محبوبه، فيكون عاملاً على مراد محبوبه منه لا على مراده هو من محبوبه. فهذه هى المحبة الخالصة من