للخلق بعضهم من بعض، ووجودها فيهم لا يكون شركاً فى محبة الله سبحانه.

ولهذا "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواءَ [و] العسل، وكان أحب الشراب إليه الحلو البارد، وكان أحب اللحم إليه الذراع، وكان يحب نساءه، وكانت عائشة رضى الله عنها أحبهن إليه، وكان يحب أصحابه، وأحبهم إليه الصديق [رضى الله عنه] .

وأما المحبة الخاصة التى لا تصلح إلا لله وحده ومتى أحب العبد بها غيره كان شركاً لا يغفره الله، فهى محبة العبودية المستلزمة للذل والخضوع والتعظيم، وكمال الطاعة وإيثاره على غيره.

فهذه المحبة لا يجوز تعلقها بغير الله أصلاً، وهى التى سوَّى المشركون بين آلهتهم وبين الله فيها كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أشَدُّ حُبّاً للهِ} [البقرة: 165] ، وأصح القولين أن المعنى يحبونهم كما يحبون الله. وسوُّوا بين الله وبين أندادهم فى الحب. ثم نفى ذلك عن المؤمنين فقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشدُّ حُبّاً لله} [البقرة: 165] فإن الذين آمنوا وأَخلصوا حبهم لله لم يشركوا به معه غيره، وأما المشركون فلم يخلصوا لله.

والمقصود من الخلق والأَمر إنما هو هذه المحبة وهى أول دعوة الرسل، وآخر كلام العبد المؤمن الذى إذا مات عليه دخل الجنة اعترافه وإقراره بهذه المحبة وإفراد الرب [تعالى] بها، فهو أول ما يدخل به فى الإسلام، وآخر ما يخرج به من الدنيا إلى الله؛ وجميع الأعمال كالأدوات والآلات لها، وجميع المقامات وسائل إليها، وأسباب لتحصيلها وتكميلها وتحصينها من الشوائب والعلل؛ فهى قطب رحى السعادة، وروح الإيمان وساق شجرة الإسلام، ولأجلها أنزل الله الكتاب والحديد.

فالكتاب هاد إليها ودال عليها ومفصل لها، والحديد لمن خرج عنها وأشرك فيها مع الله غيره، ولأجلها خلقت الجنة النار، فالجنة دار أهلها الذين أخلصوها لله وحده فأخلصهم لها، والنار دار من أشرك فيها مع الله غيره وسوى بينه وبين الله فيها، كما أخبر تعالى عن أهلها أنهم يقولون فى النار لآلهتهم: {تَاللهِ إِن كُنَّا لَفِى ضَلالِ مُبِين إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:97-98] ، وهذه التسوية لم تكن منهم فى الأفعال والصفات بحيث اعتقدوا أنها مساوية لله سبحانه فى أفعاله وصفاته، وإنما كانت تسوية منهم بين الله وبينها فى المحبة والعبودية [فقط] مع إقرارهم بالفرق بين الله وبينها، فتصحيح هذه [المسألة] هو تصحيح شهادة أن لا إله إلا الله، فحقيق لمن نصح نفسه وأحب سعادتها ونجاتها أن يتيقظ لهذه المسألة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015