بحسب ذوقه، وانفسخ بمقدار شوقه".
قلت: الشيء إذا كان فى الأُمور الوجدانية الذوقية التى إنما تعلم بآثارها وعلاماتها، وكان مما يقع [فيه] التفاوت بالشدة والضعف، وكان له لوازم وآثار وعلامات متعددة، اختلفت العبارات عنه بحسب اختلاف هذه الأشياء.
وهذا شأن المحبة، فإنها ليست- بحقيقة معانيها- ترى بالأبصار، فيشترك الواصفون لها فى الصفة. وهى فى نفسها متفاوتة أعظم تفاوت. كما بين العلاقة التى هى تعلق القلب بالمحبوب، والخلة التى هى أعلى مراتب الحب، وبينهما درجات متفاوتة تفاوتاً لا ينحصر.
ولها آثار توجبها وعلامات تدل عليها، فكل أدرك بعض [آثارها أو بعض] علاماتها فعبر بحسب ما أدركه وهى وراءَ ذلك كله: ليس اسمها كمسماها، ولا لفظها مبين لمعناها. وكذلك اسم المصيبة والبلية والشدة والألم إنما تدل أسماؤها عليها نوع دلالة لا تكشف حقيقتها، ولا تعلم حقيقتها إلا بذوقها ووجودها. وفرق بين الذوق والوجود وبين التصور والعلم. فالحدود والرسوم التى قيلت فى المحبة صحيحة غير وافية بحقيقتها بل هى إشارات وعلامات وتنبيهات.
فصل
قال: "وهى- على الإجمال قبل أن ننتهى إلى التفصيل- وجود تعظيم فى القلب يمنع الانقياد لغير [المحبوب] ". فيقال: هذا التعظيم المانع من الانقياد لغير المحبوب هو أثر من آثار المحبة وموجب من موجباتها، لا أنه نفس المحبة. فإن المحبة إذا كانت صادقة أَوجبت للمحب تعظيماً لمحبوبه يمنعه من انقياده إلى غيره.
وليس مجرد التعظيم هو المانع له من الانقياد إلى غيره بل التعظيم المقارن للحب هو الذى يمنع من الانقياد إلى غير [المحبوب فإن التعظيم إذا كان مجرد عن الحب لم يمنع انقياد القلب إلى غير] المعظم. وكذلك إذا كان الحب خالياً عن التعظيم [لم يمنع المحب أن ينقاد إلى غير محبوبه فإذا اقترن الحب بالتعظيم] وامتلأَ القلب بهما امتنع انقياده إلى غير المحبوب.
والمحبة المشتركة ثلاثة أنواع:
أحدها: محبة طبيعية مشتركة، كمحبة الجائع للطعام والظمآن للماء وغير ذلك، وهذه لا تستلزم التعظيم.
والنوع الثانى: محبة رحمة وإشفاق كمحبة الوالد لولده الطفل ونحوها، وهذه أيضاً لا تستلزم التعظيم.
والنوع الثالث: محبة أُنس وإلف، وهى محبة المشتركين- فى صناعة أو علم أو مرافقة أو تجارة أو سفر- بعضهم بعضاً وكمحبة الإخوة بعضهم بعضاً.
فهذه الأنواع الثلاثة هى المحبة التى تصلح