العبد. والله أعلم، وإنشاده هذه الأبيات الثلاثة فى هذا المقام فى غاية القبح، فإن هذا المحب ينفى خوفه من محبوبه [أخر أنه يصد عن محبوتبه] ويعرض عنه إظهاراً للتجلد أمام رقيبه، وذلك قبيح فى حكم المحبة، فإن التذلل للمحبوب وتملقه واستعطافه والانكسار له أَولى بالمحب من تجلده وتعززه كما قيل:

اخضع وذل لمن تحب فليس فى ... شرع الهوى أنف يشال ويعقد

ثم أخبر أنه يروم طيف خياله، فهو طالب لحظِّه من محبوبه لا لمراد محبوبه منه. فهذا محب لنفسه، وقد جعل طيف محبوبه وسيلة إلى حصول مراده فأَحبه حب الوسائل، بخلاف من قد أحب محبوبه لذات المحبوب ففنى عن مراده هو منه بمراد محبوبه فصار مراده مراد محبوبه، فحصل الاتحاد فى المراد لا فى الإرادة ولا فى المريد، هذا إن كان صبده عنه تجلداً عليه، وإن كان تجلداً على الرقيب خوفاً منه، فهو ضعيف المحبة، لأن فيه بقية ليست مع محبوبه بل مع رقيبه، فهلا ملأ الحب قلبه فلم يبق فيه بقية يلاحظ بها الرقيب والعاذل؟ كما قيل:

لا كان من لسواك فيه بقية ... يجد السبيل بها إليه العذل

وبالجملة فهذه الأبيات ناقصة المعنى لا يصلح الاستشهاد بها [فى هذا المقام] والله أعلم.

فصل

والمقصود الكلام على علل المقامات وبيان ما فيها من خطإٍ وصواب؛ ولما كان أبو العباس بن العريف [رحمه الله] قد تعرض لذلك فى كتابه "محاسن المجالس" ذكرنا كلامه فيه وما له وما عليه، ثم ذكر بعد هذا فصلاً فى المحبة وفصلاً فى الشوق، فنذكر كلامه فى ذلك وما يفتح الله به تتميماً للفائدة ورجاءً للمنفعة، وأن يمن الله العزيز الوهاب بفضله ورحمته ويرقى عبده من العلم إلى الحال، ومن الوصف إلى الاتصاف. إنه قريب مجيب.

قال أبو العباس [رحمه الله] : "وأما المحبة فقد أشار أهل التحقيق فى العبارة عنها، وكل نطق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015