وعمل، إنما هى دار نعيم وثواب.
الوجه العاشر: أن الخوف إنما زال فى الجنة لأن تعلقه إنما هو بالأَفعال لا بالذات كما تقدم، وقد أمنهم ما كانوا يخافون منه. فقد أمنوا أن لا يفعلوا ما يخافون منه وأن يفعل بهم ربهم ما يخيفهم. ولكن كان الخوف فى الدنيا أنفع لهم فبه وصلوا إلى الأمن التام، فإن الله سبحانه وتعالى لا يجمع على عبده مخافتين [ولا أمنين] ، فمن خافه فى الدنيا أمنه يوم القيامة ومن أمنه فى الدنيا ولم يخفه أخافه فى الآخرة. وناهيك شرفاً وفضلاً بمقام ثمرته الأمن الدائم المطلق.
الوجه [الحادى عشر] : أن الإجلال والمهابة والتعظيم إنما لم تزل لأنها متعلقة بنفس الذات، وهى موجودة فى دار النعيم. وأما الخوف فإنه إنما زال لأنه وسيلة إلى توفية العبودية والقيام بالأمر.
والوسيلة تزول عند حصول الغاية، ولكن زوال الوسيلة عند حصول الغاية لا يدل على أنها ناقصة. وإذا كانت تلك الغاية لا كمال للعبد بدونها فالوسيلة إليها كذلك.
الوجه [الثانى عشر] : قوله: "وهذه المعارضة والهيبة تعارض المكاشف أوقات المناجاة، وتصون المشاهد أحيان المشاهدة، وتعصم المعانى بصدمة العزة. فيقال: لا ريب أن الحب والأنس المجرد عن التعظيم والإجلال يبسط النفس، ويحملها على بعض الدعاوى والرعونات والأمانى الباطلة وإساءَة الأدب والجناية على حق المحبة.
فإذا قارن المحبة مهابة المحبوب وإجلاله وتعظيمه وشهود عز جلاله وعظيم سلطانه، انكسرت نفسه له وذلت لعظمته واستكانت لعزته وتصاغرت لجلاله وصفت من رعونات النفس وحماقاتها ودعاويها الباطلة وأمانيها الكاذبة، ولهذا فى الحديث: "يقول الله عَزَّ وجَلَّ: أين المتحابون بجلالى؟ اليوم أُظلهم فى ظلى يوم لا ظل إلا ظلى"، فقال: "أين المتحابون بجلالى"، فهو حب بجلاله [سبحانه] وتعظيمه ومهابته ليس حباً لمجرد جماله، فإنه سبحانه الجليل الجميل.
والحب الناشيء عن شهود هذين الوصفين هو الحب النافع الموجب لكونهم فى ظل عرشه يوم القيامة. فشهود الجلال وحده يوجب خوفاً وخشية وانكساراً، وشهود الجمال وحده يوجب حباً بانبساط وإدلال ورعونة. وشهود الوصفين معاً يوجب حباً مقروناً بتعظيم وإجلال ومهابة.
وهذا هو غاية كمال