"إن من إجلال الله إجلال ذى الشيبه المسلم وحامل القرآن غير الغالى فيه والجافى عنه، والإمام العادل"، فالإجلال هو التعظيم وكذلك الهيبة. يوضح هذا.
[الوجه الثامن] : وهو أن الهيبة والإجلال يجوز تعلقهما بالمخلوق، ما قال النبى صلى الله عليه وسلم: "إن من إجلال [الله إجلال] ذى الشيبة المسلم ... " الحديث.
وقال ابن عباس عن عمر: هبته وكان مهيباً، وأما الخشية والمخافة فلا تصلح إلا لله وحده، قال تعالى: {فَلا تَخْشَوا النَّاسَ وَاخْشَوْن} [المائدة: 44] ، وقال: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175] ، وقال: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة: 18] .
فالخوف عبودية القلب فلا تصلح إلا لله [وحده] كالذل والمحبة والإنابة والتوكل والرجاء وغيرها من عبودية القلب، [فكيف] يجعل المهابة المشتركة أفضل منه وأعلى؟ وتأمل قوله تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَآئِزُونَ} [النور: 52] ، كيف جعل الطاعة لله ولرسوله، والخشية والتقوى له وحده، وقال تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: 9] ، كيف جعل التوقير والتعزيز للرسول وحده، والتوقير هو التعظيم الصادر عن الهيبة والإجلال.
هذه حقيقته، فعلم أن الخوف من أجلّ مقامات الخواصّ وأنهم إليه أحوج وبه أقوم من غيرهم.
[الوجه التاسع] : قوله: "الخوف يزول بالأمن، والهيبة لا تزول أبداً ... إلخ"، فيقال: هذا حق، فإن الخوف إنما يكون قبل دخول الجنة، فإذا دخلوها زال عنهم الخوف الذى كان يصحبهم فى الدنيا وفى عرصات القيامة، وبدلوا به أمناً، لأنهم قد أمنوا العذاب فزايلهم الخوف منه.
ولكن لا يدل هذا على أنه كان مقاماً ناقصاً فى الدنيا، كما أن الجهاد من أشرف المقامات، وقد زال عنهم فى الآخرة. وكذلك الإيمان بالغيب أجلّ المقامات على الإطلاق، وقد زال فى الآخرة وصار الأمر شهادة. وكذلك الصلاة والحج والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وبذل النفس لله، وهى من أشرف الأعمال، وكلها تزول فى الجنة.
وهذا لا يدل على نقصانها فإن الجنة ليست دار سعى