والتفويض وأضدادها والعبد فى كل لحظة مفتقر إلى هداية يجعلها الله فى قلبه وحركات يحركها بها فى طاعته.
وهذا إلى الله سبحانه وتعالى فهو خلقه وقدره، وكان من دعاءِ النبى صلى الله عليه وسلم: "اللَّهم آت نفسى تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها" وعلم حصين بن المنذر أن يقول: "اللَّهم ألهمنى رشدى وقنى شر نفسى"، وعامة أدعيته صلى الله عليه وسلم متضمنة لطلب توفيق ربه وتزكيته له واستعماله فى محابه، فمن هداه وصلاحه وأسباب نجاته بيد غيره، وهو المالك له ولها، المتصرف فيه بما يشاءُ ليس [له] من أمره شيء، من أحق بالخوف منه؟ وهب أنه قد خلق له فى الحال الهداية، فهل هو على يقين وعلم أن الله سبحانه وتعالى يخلقها له فى المستقبل ويلهمه رشده أبداً؟ فعلم أن خوف المقربين عند ربهم أعظم من خوف غيرهم والله المستعان، ومن هاهنا كان خوف السابقين من فوات الإيمان كما قال بعض السلف: أنتم تخافون الذنب، وأنا أخاف الكفر.
وكان عمر بن الخطاب يقول لحذيفة: نشدتك الله هل سمانى لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يعنى فى المنافقين فيقول: لا، ولا أزكى بعدك أحداً" رواه البخارى يعنى لا أفتح على هذا الباب فى سؤال الناس لى، وليس مراده أنه لم يخلص من النفاق غيرك.
[الوجه الخامس] : قوله: "وأَما الخواص فإنهم جعلوا الوعيد منه وعداً، والعذاب فيه عذباً، لأنهم شاهدوا المبتلى والمعذب فاستعذبوا ما وجدوا فى جنب ما شاهدوا" إلى آخر كلامه.
فيقال: هذا الكلام ونحوه من رعونات النفس، ومن الشطحات التى يجب إنكارها. فمن ذا الذى جعل وعيد الله وعداً، وعقابه ثواباً وعذابه [عذباً] ؟ وهل هذا إلا إنكار لوعيده وعذابه فى الحقيقة؟ وأى عذاب أشد من عذابه نعوذ بالله منه؟ قال تعالى: {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ} [الحج: 2] وقال: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر: 25- 26] ، وهذا أظهر فى كل ملة من أن يحتاج إلى الاستدلال عليه.
وإنما ينسب هذا المذهب إلى الملاحدة من القائلين بوحدة الوجود كما قال قائلهم: