بالذات كان من أسمائه سبحانه "الودود"، قال البخارى فى صحيحه: "الحبيب"، وأما الخوف فإن متعلقه أفعال الرب [سبحانه] ولا يخرج عن كون سببه جناية العبد، وإن كانت جنايته من قدر الله. ولهذا قال على بن أبى طالب [رضى الله عنه] : لا يرجونَّ عبد إلا ربه، ولا يخافنَّ عبد إلا ذنبه.

فمتعلق الخوف ذنب العبد وعاقبته، وهى مفعولات للرب، فليس الخوف عائداً إلى نفس الذات. والفرق بينه وبين الحب أن الحب سببه الكمال، وذاته تعالى لها الكمال المطلق، وهو متعلق الحب التام.

وأما الخوف فسببه توقع المكروه، وهذا إنما يكون فى الأَفعال والمفعولات. وبهذا يعلم بطلان قول من زعم أنه سبحانه يُخاف لا لعلة ولا لسبب، بل كما يخاف السيل الذى لا يدرى العبد من أين يأْتيه. وهذا بناءٌ من هؤلاءِ على نفى محبته سبحانه وحكمته.

وأنه ليس إلا محض المشيئة والإرادة التى ترجح مثلاً على مثل بلا مرجح، ولا يراعى فيها حكمة ولا مصلحة. وهولاء عندهم الخوف يتعلق بنفس الذات من غير نظر إلى فعل العبد وأنه سبب المخافة، إذ ليس عندهم سبب ولا حكمة، بل إرادة محضة يفعل بها ما يشاءُ من تنعيم وتعذيب. وعند هؤلاءِ فالخوف لازم للعبد فى كل حال، أحسن أم أساءَ. وليس [لأفعالهم] تأْثير فى الخوف. وهذا من قلة نصيبهم من المعرفة بالله وكماله وحكمته.

وأين هذا من قول أمير المؤمنين على [رضى الله عنه] لا يرجونَّ عبد إلا ربه، ولا يخافنَّ إلا ذنبه؟ فجعل الرجاءَ متعلقاً بالرب سبحانه وتعالى، لأن رحمته من لوازم ذاته، وهى سبقت غضبه. وأما الخوف فمتعلق بالذنب، فهو سبب المخافة، حتى لو قدر عدم الذنب بالكلية لم تكن مخافة.

فإن قيل: فما وجه خوف الملائكة [وهم] معصومون من الذنوب التى هى أسباب المخافة، وشدة خوف النبى صلى الله عليه وسلم مع علمه بأن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأَخر وأنه أقرب الخلق إلى الله؟ قيل: عن هذا أربعة أجوبة:

الجواب الأول: إن هذا الخوف على حسب القرب من الله والمنزلة عنده. وكلما كان العبد أقرب إلى الله كان خوفه منه أشد، لأنه يطالب بما لا يطالب به غيره، ويجب عليه من رعاية تلك المنزلة وحقوقها ما لا يجب على غيره.

ونظير هذا فى المشاهد أن [الماثل] بين يدى أحد الملوك المشاهد له أشد خوفاً منه من البعيد عنه، بحسب قربه منه ومنزلته عنده ومعرفته به وبحقوقه، وأنه يطالب من [حقوقه] الخدمة وأَدائها بما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015