بعضهم: مثل القلب فى سرعة تقلبه كريشة ملقاة بأرض فلاة تقلبها الرياح ظهراً لبطن. ويكفى فى هذا قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24] ، فأى قرار لمن هذه حاله؟ ومن أحق بالخوف منه؟ بل خوفه لازم له فى كل حال وإن توارى عنه بغلبة حالة أُخرى عليه. فالخوف حشو قلبه، لكن توارى عنه بغلبة غيره، فوجود الشيء غير العلم به، فالخوف الأول ثمرة العلم بالوعد والوعيد، وهذا الخوف ثمرة العلم بقدرة الله وعزته وجلاله، وأنه الفعال لما يريد وأنه المحرك للقلب المصرف له المقلب له كيف يشاءُ لا إِلَهَ إلا هو.

الوجه الثانى: قوله: "وليس فى منازل الخواص خوف" قد تبين فساده، وأن الخاصة أشد خوفاً [للله] من العامة.

الوجه الثالث: قوله: العاقل يعبد ربه على وحشة من نظره ونفرة من الأُنس به عند ذكره: {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ} [الشورى: 22] ، فهذا إِنما هو وحشة ونفار، وهو غير الخوف، فإن الوحشة إما تنشأُ من عدم الخوف، وأَما الخوف فإنه يوجب هروباً إلى الله وجمعية عليه وسكوناً إليه، فهى مخافة مقرونة بحلاوة وطمأْنينة وسكينة ومحبة، بخلاف خوف المسيء الهارب من الله فإنه خوف مقرون بوحشة ونفرة فخوف الهارب إليه سبحانه محشو بالحلاوة والسكينة والأُنس لا وحشة معه، وإنما يجد الوحشة من نفسه.

فله نظران: نظر إلى نفسه وجنايته فيوجب له وحشة، ونظر إلى ربه وقدرته عليه وعزه وجلاله فيوجب له خوفاً مقروناً بأُنس وحلاوة وطمأنينة.

الوجه الرابع: إن استشهاده بقوله: {تَرَى الظّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ} [الشورى: 22] ، ليس استشهاداً صحيحاً، فإن هذا وصف لحالهم فى الآخرة عند معاينة العذاب أو عند الموت.

فهذا إشفاق مقرون بالاستيحاش، لأنه قد علم أنه صائر إليه كمن قدم إلى العقوبة ورأَى أسبابها، فهو مشفق منها إذا رآها لعلمه بأَنه صائر إليها. فليست الآية من الخوف المأْمور به فى شيء.

الوجه الخامس: أن الخوف يتعلق بالأَفعال، وأَما الحب فإنه يتعلق بالذات والصفات. ولهذا يزول الخوف فى الْجنة، وأما الحب فيزداد.

ولما كان الحب يتعلق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015