لا يطالب به غيره، فهو أحق بالخوف من البعيد.

ومن تصور هذا حق تصوره فهم قوله صلى الله عليه وسلم: "إنى أعلمكم بالله وأشدكم له خشية"، وفهم قوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الذى رواه أبو داود وغيره من حديث زيد بن ثابت عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله تعالى لو عذب أهل سمواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم كانت رحمته لهم خيراً من أعمالهم ".

وليس المراد به لو عذبهم لتصرف فى ملكه- والمتصرف فى ملكه غير ظالم- كما يظنه كثير من الناس، فإن هذا يتضمن مدحاً، والحديث إنما سيق للمدح [وبيان عظم حق الله على عباده وأنه لو عذبهم لعذبهم بحقه عليهم ولم يكن] بغير استحقاق، فإن حقه سبحانه عليهم أضعاف أضعاف ما أَتوا. ولهذا قال بعده: "ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أَعمالهم" يعنى أن رحمته لهم [ليست ثمناً لأعمالهم ولا تبلغ أعمالهم رحمته فرحمته لهم] ليست على قدر أعمالهم، إذ أعمالهم لا تستقل باقتضاء الرحمة، وحقوق عبوديته وشكره التى يستحقها عليهم لم يقوموا بها، فلو عذبهم والحالة هذه لكان تعذيباً لحقه، وهو غير ظالم لهم فيه. ولا سيما فإن أعمالهم لا توازى القليل من نعمه عليهم، فتبقى نعمه الكثيرة لا مقابل لها من شكرهم، فإذا عذبهم على ترك شكرهم وأداءِ حقه الذى ينبغى له سبحانه عذبهم ولم يكن ظالماً لهم.

فإن قيل: فهم إذا [فعلوا] مقدورهم من شكره وعبوديته لم يكن ما عداه مما ينبغى له مقدوراً لهم. فكيف يحسن العذاب عليه؟ قيل: الجواب من وجهين:

أحدهما: أن المقدور للعبد لا يأْتى به كله، بل لا بد من فتور وإعراض وغفلة وتوان. وأيضاً ففى نفس قيامه بالعبودية لا يوفيها حقها الواجب لها من كمال المراقبة والإجلال والتعظيم والنصيحة التامة لله فيها، بحيث يبذل مقدوره كله فى تحسينها وتكميلها ظاهراً وباطناً، فالتقصير لازم فى حال الترك وفى حال الفعل، ولهذا سأل الصديق النبى، دعاءً يدعو به فى صلاته، فقال له: "قل: اللَّهم إنى ظلمت نفسى ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لى مغفرة من عندك وارحمنى إنك أنت الغفور الرحيم"، فأخبر عن ظلمه لنفسه مؤكداً له بأن المقتضية ثبوت الخبر وتحققه، ثم أكده بالمصدر النافى للتجوز والاستعارة، ثم وصفه بالكثرة المقتضية لتعدده وتكثره، ثم قال: "فاغفر لى مغفرة من عندك"، أى لا ينالها عملى ولا سعيى بل عملى يقصر عنها، وإنما هى من فضلك وإحسانك، لا بكسبى ولا باستغفارى وتوبتى. ثم قال: "وارحمنى" أى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015