مرجعيتها؛ إذْ ما القيمة المرجعية لنص لا سلطة له؟ والقول بعدم إلزامية هذه الخصوص لكلّ الأجيال ومن ثَمّ حرية التصرف فيها إثباتاً وإسقاطاً وتفسيراً من غير ضوابط معتبرة قولٌ بإسقاط مرجعيتها، ولا فرق بين عدم الإعتراف بمرجعية النص وتبديل معناه بما يجعله مخالفاً لما قصده منه صاحبه؛ إذْ كلاهما عدم اعتراف بمرجعيته وإسقاط لسلطته.
والغريب أن الناس يعترفون لنصوص القوانين الوضعية والعقود والإتفاقيات والمعاهدات، بل وللكلام العادي بينهم بالسلطة المطلقة، ثم يسعى بعضهم إلى نفي تلك السلطة عن الخصوص الشرعية! هل لأن سلطة النص الوضعي أقوى من سلطة النص الديني؟ أم لأن عقوبة مخالفة النصوص الوضعية ناجزة أمّا عقوبة إهدار الخصوص الدينية -بحكم غياب سلطة تحميها- فهي في حكم الغيب؟!
وبعد إثبات سلطة النصوص الشرعية يقال: إن المرجع في فهم تلك النصوص -مع مراعاة كلّ العناصر المُعِينَة على فهمها كما سبقت الإشارة- هو أن تُفهم على معهود الرب في لغتهم. والقصد من القول بفهم النصوص الشرعية على معهود العرب في لغتهم هو:
أولاً: وضعُ معيارٍ موَّحَد لضبط طريقة فهم النصوص؛ إذْ مع غياب المعيار الضابط يستحيل فهم النص فهماً معقولاً؛ إذْ يستطيع كلّ إنسان أن يدعيّ أيّ معنى لأيّ لفظ أو نص من النصوص! ولنتصوّر عند ذلك الفوضى التي تعمّ بين الناس إذا طبَّقنا ذلك على المخاطبات العادية بينهم, أما فيما يخص نصوص الشارع فإن النتيجة الحتمية لذلك هي إعدام الخصوص الشرعية وإلغاؤها تماماً، وإيجاد شرائع جديدة تتعدَّد بتعدُّد الأفهام والأشخاص، وهو ما وقع فيه الباطنية.
وثانياً: لأن طبيعة الإتصال بين الناس وطبيعة اللغة يقتضيان وجود قواعد ومعايير يحتكم إلها في فهم وسائل الخطاب، وما دامت النصوص الشرعية قد جاءت باللغة العربية فلا طريق إلى فهمها فهماً سليماً إلّا بالحضوع لقواعد تلك اللغة وأسالبها كما عرفها أهلها الأُصلاء.