تبيّن من خلال المبحث أن العُمْدة في التعرّف على مقاصد الشارع هي نصوصُه، والمقصود بالنص هنا معناه العام الذي يشمل منظوم النص ومنطوقه، وفحواه ومفهومه، ومعقوله المقتبس من روحه التي بُنِي عليها وهي العلل التي أُقيمت عليها الأحكام، ذلك أن النصوص هي الواسطة بين الشارع والعباد، وهي المعبرة عمّا يريده منهم. والقول بمرجعيّة النصّ يقتضي الأخذ بعين الإعتبار كلّ عنصر من العناصر أو عامل من العوامل المُعِينَة على حسن فهمه واستجلاء مكنونه والتعرُّف على المقصود منه، فينبغي الخظر في ظواهر النصوص، وعِلَلِها وحِكَمَها، وأسباب نزولها إن كانت قرآناً وأسباب ورودها إن كانت أحاديث، والنظر في السياق الذي جاءت فيه -سواء السياق الخاص أو السياق العام الذي يتضمن مجموع النصوص الشرعية- والنظر في الملابسات والظروف التي صاحبت صدور النص الشري والقرائن التي حفّت به، وتحقيق المناط في الواقعة التي يُراد تطبيق النص عليها، والنظر في مآلات ذلك التنزيل هل تتفق مع ما قصده الشارع منها أم لا؟ كلّ هذا في منهج علي تكاملي شعاره البحثُ عن الحق مجرّداً عن الهوى، واتباعُ الدليل الأقوى والأقرب إلى معهود الشارع.
وقد يقول قائل إن هذه خلاصة مفادها إعطاء سلطة مطلقة للنص, والجواب:
نعم للنص سلطة، وإذا لم تكن له سلطة فما جدوى إنزاله إذاً؟
إن الناس أمام النصوص الشرعية صنفان: صنف يعترف بكون النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - رسول الله صدقاً، وأن القرآن وحي من الله تعالى، وأن هذه النصوص إنما أنزلت لغرضٍ هو أن تكون مرجعا للمؤمنين بها، يهتدون بهديها، ويحتكمون إليها، وصنف ينكر ذلك. أما من ينكر كونها كذلك فلا حديث معه هنا، فهو لا يعترف لتلك النصوص بمرجعية أصلاً. أما إذا اعترفنا بكون هذه النصوص إنما أُنزِلت لتكون مرجعاً للمؤمنين بها، فلا بُدّ من الإعتراف بأن لها سلطة، وإلاّ آل الأمر إلى إنكار