المبحث الرابع
هل السكوت عن النقل نقل للسكوت (هل ترك النقل ينزل منزلة نقل الترك)؟
ذهب البعض إلى أن عدم نقل الصحابة - رضي الله عنهم - لما لو فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - لتوفرت هممهم ودواعيهم لنقله يُنَزّل منزلة نقلهم لتركه - صلى الله عليه وسلم - لذلك الأمر ومن ثَمّ يُستدل به على عدم مشروعية العمل على خلاف ذلك الترك.
وقد نصر ابن قيم الجوزية هذا الرأي، وجعل عدم النقل هذا طريقاً من طرق نقل الترك، وسنّة من السنن، حيث يقول: "والثاني: عدم نقلهم لما لو فعله لتوفرت هممهم ودواعيهم-أو أكثرهم أو واحد منهم-على نقله، فحيث لم ينقله واحد منهم ألبتة، ولا حدَّث به في مجمع أبداً عُلِم أنه لم يكن، وهذا كتركه التلفظ بالنيّة عند دخوله في صلاة الصبح، وتركه الدعاء بعد الصلاة مستقبل المأمومين وهم يؤمنون على دعائه دائماً بعد الصبح والعصر أو في جميع الصلوات ... فإن قيل من أين لكم أنه لم يفعله، وعدم النقل لا يستلزم نقل العدم؟ فهذا سؤال بعيد جدّاً عن معرفة هَدْيِه وسنّته وما كان عليه، ولو صح هذا السؤال وقُبِل لاستحبّ لنا مُسْتَحِبُّ الأذان للتراويح، وقال: من أين لكم أنه لم ينقل؟ واستحبّ لنا مستحِبُّ آخر الغسل لكل صلاة، وقال: من أين لكم أنه لم ينقل؟ ... وانفتح باب البدعة، وقال كل من دعا إلى بدعة: من أين لكم أن هذا لم ينقل؟ ... ". (?)
ويرى ابن العربي أن عدم النقل قد يُنزَّل منزلة عدم الدليل، لا وجود الدليل، وهو ما استدل به على ردّ هذهب المالكية في عدم وجوب الزكاة في الخضروات، كما سيأتي بيانه.
والقول بأن كل ما لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله فهو مسكوت عنه وينزّل منزلة النص على أن حكمه الإباحة أمر خطير؛ إذْ قد يؤدي إلى منع إجراء العموم على عمومه ليشمل ما لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله، وكذلك يقتضي منع القياس، ومقتضى هذا أن تحصر أفراد العام فيما نقل عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فعله فقط، وهذا فيه ما فيه. (?)